كان جهاد أبو بيدر رجلا نبيلا شهما معطاءً للخير، ساعيا له بين الناس .
لم تمضِ بضع أيام إلا وكان يهاتفني، يسألني السلام، يطرح مبادرة خير، يقاتل من أجل مظلوم، يجاهد ليوفر سريرا لمريض في مستشفى من مشافينا المنهكة، كان عظيما، وسيظل...
لن أنسى يا جهاد، رفاقك في مثواك الأخير، ذاك سهم العبادي يهرول خلف جثمانك غير مصدق، ويبكي، يقول لرفاقه "ذهب صاحبنا الأول".. ذاك نضال الخزاعلة يناظر القبر، يعتصره الألم وتذرف عينيه الدموع بحسرة ليرثي صاحبه الصدّيق...
ذاك رفيقك نشأت الحلبي ينوح بالبكاء غير مصدق، يتمسك بالقبر، يكفر بهجرانك حتى وأنت تحت التراب، وعماد شاهين يقف بعيدا، يصمت في حضرة الدمع الذي يسيل، يدخن، ويتذكر أيامكما في مهنة الألم...
ذاك أحمد عقاب الطيب يخفي اغروراق عينيه بالدمع عنّا، وكأنه أقوى من الجميع، خفف عنّا الألم، كما كان يخفّف عنك أتعاب الحياة، لكنه صدقني أيضا بكى...
ذاك شادي سمحان يربت على كتفي، ثم ينهار ويبكي، ذاك حمزة الرواشدة جفت مدامعه من كثرة البكاء، وكأنه طفل فقد أباه للمرة الثانية..ذاك باسل العكور يسير وعينيه حمراون بعد ذرف الدمع الحزين...
صهيب البدارين وأحمد الجابر وأحمد عطوة وعلي خلف، طلابك الصغار، كلهم كانوا صامتين، ركضوا إلى الجثمان وقبّلوه بقلوبهم غير مصدقين وداعك...
أما أنا، حبيبك الأقرب، وتلميذك الذي افتخرت به أكثر من أي أحد أخر، حذّرتني أن أبكيك ذات يوم وأوصيتني الكثير، أخلفت الوعد للمرة الأولى يا أستاذي، أخفيتُ رأسي بين جموع المصلين، وبكيتك لأتوضأ بدمعي كي أصلي عليك صلاة الوداع الأخير.
يا جهاد، وقف صالح العرموطي وصدح بصوته أمام الناس، ذكر مناقبك التي لا تحصى، حدثنا عن بطولاتك في ساحات الرجال، دعا لك، والناس أجمعين.. وحولهم جل رفاقك الأولين، الذين ساروا معك أياما وأيام، خسروا والمهنة، صحفيا ألمعيّا، خسروا أخا وأبا ورفيقا توحش الأيام بعده...
يا جهاد، أستاذك رجا طلب كما كنت تسميه بكى بحرقة، كان أول من لاحظ أنك مريض، رغم مكابرتك، كيف لا وهو الذي يعرفك منذ أزمان.. يا جهاد رثاك نضال منصور الذي تناديه بـ"معلمي"، بكى عليك إلى الأبد...
يا جهاد، ضجت الدنيا برحيلك، دعا لك القريب والبعيد، رثاك الآلاف، وخانتك ثلّة من المنافقين، هم ذاتهم الذين خانوك وأنت حي ترزق، وأتعبوا قلبك الطيب.. لا عليك، سجلتهم بقلبي، ولن أنسى، فهذه الأيام دولٌ، من سرّه زمنٌ ساءته أزمان...
والله إنه لوسام على صدري أنه أحبني، علّمني، دعمني وردد أسمي كأحد أبنائه في كل مكان.
كم أنني فخور، رغم الألم، أن جهاد الذي صدّت ترائبه آلام السنوات، اتكئ أحيانا على كتفي، أراح قلبه المتعب، وأمرني بمساعدة مريض ومحتاج، وليس أمام التلميذ إلا طاعة معلمه بكل حبّ.
وداعا يا جهاد، وداعا يا رفيق، يا أبا وأخا وصديقا نبيلا سيظل أثره حيا بين الناس.