الشيخ
عبد الجواد العمري… عالم حوران وبصمة النور في أرض الشمال
نيروز-
محمد محسن عبيدات
في صفحات
التاريخ المشرقة، تتلألأ أسماء الرجال الذين جمعوا بين العلم والعمل، وبين الفضل والتقوى،
فكانوا منارات هدى ومشاعل خير في أوطانهم وأمتهم. ومن بين هؤلاء الأفذاذ يبرز اسم الشيخ
عبد الجواد بن أحمد بن خميس بن نصير العُمري العدوي القرشي، العالم الجليل، الذي يعود
نسبه الطاهر إلى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، من ابنه الصحابي الجليل عبد الله
بن عمر، وهو نسب كريم وثابت توثقه سجلات وأختام أعيان السادة العمرية.
وُلد الشيخ
عبد الجواد في بلدة الشيخ مسكين أواخر القرن التاسع عشر، في بيت يفيض إيمانًا وتقوى،
ونشأ في كنف والده على القيم الإسلامية والعربية الأصيلة. وكان من القلة المميزين الذين
قصدوا الأزهر الشريف في مصر مطلع العشرينيات من القرن الماضي، لينهل من علوم الدين
والفقه والشريعة، حتى لُقّب بين أبناء جيله بـ"العالم".
بعد أن
عاد إلى مسقط رأسه، كرّس جهده في تعليم الناس أمور دينهم، ونشر العلم في ربوع بلدته،
قبل أن يشد الرحال إلى موطن أجداده في شمال الأردن، ليستقر في بلدة حاتم بمحافظة إربد،
حيث تابع مسيرته المباركة في التدريس والإرشاد، وغرس في نفوس أهلها القيم الرفيعة وأصول
الدين الحنيف.
كان الشيخ
عبد الجواد العمري مثالًا للرجل الرباني، ورعًا زاهدًا، عفيف النفس، بعيدًا عن زخارف
الدنيا، متواضعًا في مظهره، عالي المقام في جوهره. جمع بين قوة الحجة وحسن البيان،
فكان متحدثًا لبقًا، مثقفًا واسع الأفق، حكيم الرأي، وصاحب رؤية استراتيجية ثاقبة في
شؤون مجتمعه وقضاياه.
وفي حياته
الاجتماعية، كان أنموذجًا للكرم والشهامة، ورمزًا للتسامح والإصلاح، يلبي الدعوات في
الجاهات والمناسبات، ويصلح بين المتخاصمين بروح الأب الحاني، ويستقبل الناس في بيته
العامر بكل حب واحتفاء، فكانت أبوابه مشرعة أمام القريب والبعيد، والغني والفقير، دون
تمييز أو تفرقة.
أحب وطنه
وقيادته الهاشمية بإخلاص، وحمل على عاتقه مسؤولية خدمة أبناء منطقته، فكان عالمًا جليلًا،
مخلصًا في عمله، يتقنه بكفاءة واقتدار، محبًا للخير، مؤمنًا بواجب العطاء بلا مقابل.
ومن صفاته التي أحبها الناس فيه: صدقه وشفافيته، بشاشته ودماثة خلقه، وحرصه على التمسك
بالعادات العربية الأصيلة، التي استمدت روحها من القيم الإسلامية السامية.
ولم يكن
أثره مقتصرًا على مجاله العلمي والدعوي، بل ترك إرثًا من المؤلفات والكتب في الفقه
والسيرة، وجمع اسمه المبارك كاملًا وصولًا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، في إشارة
إلى عمق الجذور ونقاء السلالة.
لقد رحل
الشيخ عبد الجواد العمري عن الدنيا في عام 1957، ودفن في بلدة حاتم، لكنه بقي حاضرًا
في ذاكرة الناس وسيرتهم العطرة، رمزًا من رموز العطاء والقيادة الصالحة. وكما قال حفيده
الدكتور عامر العودات: "علّم الناس الكثير الكثير عن دينهم، وترك فيهم إرثًا من
النور والهدى، ألف رحمة عليك يا جدي".
نم قرير
العين يا شيخنا الجليل، فقد تركت وراءك إرثًا خالدًا من العلم والمجد والفضيلة، وستبقى
سيرتك الطيبة جسرًا يربط الأجيال بالقيم التي عشت لأجلها. لقد كنت عالمًا وقائدًا،
مربّيًا ومصلحًا، رجلًا من زمن الكبار، ومثالًا يحتذى في النبل والوفاء. رحمك الله
رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته، وجعل ذكرك الطيب خالدًا ما دامت الأجيال تروي قصتك
وتستضيء بنور عطائك.