في ظل تسارع الخطوات الإسرائيلية لفرض واقع جديد في الضفة الغربية، تتكشف ملامح مشروع استيطاني يتجاوز مفاهيم السيطرة العسكرية أو الإدارية، نحو محاولة إعادة صياغة الجغرافيا والديموغرافيا في آن واحد. إلا أن هذا التوجه، ورغم خطورته، لا يجب التعامل معه كقدر محتوم، بل كتهديد يمكن مقاومته إذا ما توفرت الإرادة والإستراتيجية السياسية الملائمة على المستويين الفلسطيني والعربي، وبالأخص الأردني.
التحول الإسرائيلي الأخير لا يقتصر على التوسع الاستيطاني أو تصويت الكنيست بعدم قيام دولة فلسطينية، بل يتجه نحو تفكيك فكرة "الكيان الفلسطيني" بالكامل. هذا المشروع يرتكز على تشريعات إسرائيلية تمنح الغطاء القانوني للضم، وتفكيك السلطة الفلسطينية مالياً ومؤسساتياً، وسياسات "تطفيش" سكانية لخلق فراغ ديموغرافي، واستثمار لحالة الضعف العربي والانقسام الفلسطيني. أمام هذا المشهد، تصبح الحاجة إلى استراتيجية مقاومة شاملة وذكية أمراً وجودياً لا ظرفياً.
يبدأ التحصين الفلسطيني بإعادة بناء السلطة الفلسطينية على أساس تمثيلي، يتجاوز الانقسام القائم بين فتح وحماس، وينتقل إلى حكومة وحدة وطنية بصلاحيات موسعة، تعيد الشرعية للمؤسسات وتقطع الطريق على ذريعة "الفراغ السياسي". كما يتطلب نقل المواجهة إلى الميدان الحقوقي والدبلوماسي عبر تفعيل أدوات القانون الدولي ورفع قضايا أمام محكمة العدل الدولية، وتفعيل حركة المقاطعة (BDS) بمشاركة حكومية وشعبية. ويجب دعم بقاء الفلسطينيين في أرضهم من خلال تمويل المشاريع التنموية الصغيرة، وتوفير حوافز سكنية ومعيشية، ودعم شبكات الحماية المجتمعية.
أما في الجانب الأردني، فإن إعادة تعريف الوصاية الهاشمية يجب أن تشمل الدفاع عن الوجود الفلسطيني، وليس فقط حماية المقدسات. ويأتي ذلك من خلال تحرك رسمي يربط حماية القدس بالتصدي لمخططات الضم ككل، مع إطلاق مبادرة أردنية – أوروبية لإنقاذ حل الدولتين، تستقطب فرنسا وألمانيا ودول اسكندنافيا، بهدف تشكيل جبهة تضغط على واشنطن. كما ينبغي استثمار موقع الأردن كدولة حدودية في أي مفاوضات إقليمية من خلال ربط التعاون في مجالات الطاقة والمياه بشرط تجميد الضم وإعادة الاعتراف بحل الدولتين.
على المستوى العربي، هناك حاجة إلى إنشاء مجموعة ضغط عربية متخصصة بملف الضفة الغربية، تضم شخصيات أمنية وقانونية وخبراء سياسات خارجية من الدول المهتمة فعلاً بوقف الضم، مثل الأردن وقطر والجزائر والكويت. كما يمكن استغلال المنابر الاقتصادية وربط أي تسهيلات تجارية أو أمنية مع إسرائيل بمؤشرات واضحة تتعلق بالملف الفلسطيني، بدلاً من الفصل بين التطبيع الاقتصادي والضغط السياسي.
المواجهة مع مشروع الضم الإسرائيلي ليست عسكرية بطبيعتها، بل سياسية وإعلامية وقانونية، وتتطلب رواية مضادة، وتحركاً دؤوباً، وشبكات تحالف جديدة. إن التحدي الحقيقي أمام العرب والأردن خصوصاً، هو الانتقال من ردود الفعل إلى إنتاج المبادرة، ومن إدارة الأزمة إلى منع تحققها. فالضفة الغربية ليست فقط جغرافيا فلسطينية، بل بوابة أمن قومي أردني عربي، إن سقطت سقط معها ميزان الإقليم برمته