فليعذرني البعض فيما أُبوح، فالوطن حين يُمسّ، والقيادة حين تُستهدف، لا يصحّ أن نكتفي بالمراقبة، ولا يليق أن نمارس الحياد في حضرة الجريمة.
في زمنٍ تعالت فيه الأصوات النشاز، وتكاثرت الأقلام المأجورة والمنابر الملوثة، يقف الإعلام الأردني – إلا من رحم ربي – في موقفٍ باهت لا يليق بمكانة الوطن، ولا بجلالة القيادة.
صمتٌ مريب، وصدى غائب، وغيابٌ لا يُغتفر في مواجهة حملات الإساءة التي تستهدف الأردن دولةً وهويةً، وقيادةً هاشمية حكيمة حفظت التوازن في بحرٍ مضطرب من الأزمات.
لسنا في وارد التجميل أو المواربة، فالمعادلة واضحة: حين تُهان رموز الوطن، وتُشكك منابر خارجية بأمانة النهج الهاشمي، وتُحاك الروايات الزائفة حول القرار الأردني المستقل، لا بد أن ينهض الإعلام الوطني لا كمدافعٍ فقط، بل كصانعٍ للوعي، وكاشفٍ للمضللين، وسياجٍ واقٍ للرأي العام الأردني والعربي.
لكن ما نراه على الأرض مؤسفٌ ومخيب. إذ يسكن صوت المؤسسات الإعلامية في لحظة العاصفة، ويتحوّل بعض الإعلام الرسمي إلى ردود أفعال خجولة، بينما تُترك الساحة مفتوحة لكل من يتطاول على الأردن، وكأنها دعوةٌ مفتوحة للتشويه والمزايدة.
فأين هو الإعلام الذي يعرف متى يتقدم الصفوف؟ أين هو الصوت الوطني الذي لا ينتظر إذنًا للرد، ولا يحتاج تعليمات للذود عن الأردن وقيادته؟ وأين هي الحملات الإعلامية التي يجب أن تنطلق من عمّان، لا أن ننتظر نشطاء مغتربين ومواطنين غيورين يقاتلون وحدهم على منصات التواصل؟
الأخطر من ذلك، هو غياب "الخطاب الإعلامي السيادي". ذاك الذي لا يرد فقط، بل يُحبط أهداف العدو، ويصوغ الرواية الوطنية بثقة وحنكة. فالإعلام ليس ترفًا، ولا نشرات باهتة مكررة، بل هو أداة سيادة، وصناعة رأي، وميدان مواجهة.
الصمت في لحظات التعدي ليس حيادًا، بل تقصيرٌ فادح، يُساءل عليه كل من حمل مسؤولية ولم يتحرك. فالوطن ليس مادة قابلة للتجريح، وقيادته ليست موضوعًا للمساومة، والإعلام يجب أن يكون درعًا واقيًا لا غائبًا ساكتًا.
المطلوب ليس نبرة صراخ، بل إعلام ذكي، وواعٍ، وعميق؛ يرد بالحجة، ويُفكك خطاب الكراهية، ويحمل همّ الوطن كواجب لا كمهنة.
وختاماً .. الصمت الإعلامي في مواجهة الإساءة للأردن وقيادته ليس حيادًا.. بل خيانة للرسالة، وتخلٍّ عن الدور، وتقصير لا يغتفر.