محمد التيجاني يمثل حالة اصتثنائية في مجال الفضاء الاعلامي فهو صوت مهني هادئ خرج من رحم الإذاعة، ليؤسس حضورًا ناضجًا على شاشات التلفزة، ويُصبح من الإعلاميين الذين جمعوا بين التحليل العميق، والطرح المتزن، والانتماء لقضايا الإنسان العربي.
لم تكن انطلاقة محمد التيجاني تقليدية. إذ بدأ مشواره الإعلامي من الإذاعة، حيث كانت المنصة المثالية لصقل صوته، وبناء قدراته الحوارية. ففي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كانت الإذاعة هي الفضاء الأول للتأثير الجماهيري، وهناك عرف المستمع العربي صوتًا متزنًا، لا يرفع نبرته، لكنه يرفع وعي الجمهور.
رغم غياب أرشيف شامل لكامل أعماله الإذاعية، إلا أن المتابعين لمسيرته يؤكدون مشاركته في إعداد وتقديم عدد من البرامج الحوارية والثقافية الرائدة، منها:
قضايا عربية
برنامج تحليلي إذاعي ناقش أهم التحولات السياسية في الوطن العربي، مع استضافة مفكرين ومحللين من مختلف الاتجاهات. تميز بالطرح المتزن، وتجنّب الإثارة والصخب.
ملفات ساخنة
برنامج وثائقي سياسي أسبوعي، يتناول الملفات الشائكة في العالم العربي، مثل: الصراع العربي-الإسرائيلي، قضايا الإصلاح، والحريات العامة.
صوت المثقف العربي
برنامج ثقافي إذاعي سلط الضوء على أصوات المفكرين والكتّاب، وناقش التحديات الثقافية أمام الشعوب العربية. كان يعكس التوازن بين الثقافة والسياسة.
حديث الوطن (برنامج موسمي)
حلقات حوارية بمناسبة الأعياد الوطنية أو الذكريات الكبرى، تتضمن شهادات وقراءات تاريخية وسياسية.
هذه البرامج لم تكن مجرد محتوى إعلامي، بل كانت مساحات لـ صناعة رأي عام ناضج، وتوسيع دائرة النقاش الهادئ في زمن الصدامات اللفظية.
مع اتساع الفضاء الإعلامي الفضائي في مطلع الألفية الجديدة، انتقل التيجاني إلى قناة الحوار، حيث ذاع صيته من خلال برامج مثل:
"مباشر مع..."
"الوجه الآخر"
"في العمق السياسي"
وغيرها من الحوارات التلفزيونية التي جمع فيها بين ممثلي تيارات متناقضة دون أن يفقد السيطرة أو الحياد.
في عصر المبالغة والانفعالات، يبرز التيجاني بنمطه المختلف:
لا يرفع صوته.
لا يقاطع ضيوفه.
لا يُخفي وجهة نظره، لكنه لا يفرضها.
يحترم عقول المشاهدين والمستمعين.
يعتمد على المعلومة لا الإثارة.
وقد ساعدته خلفيته الإذاعية على التمكن من الصوت، الإيقاع، وتقدير الصمت، وهي أدوات نادرة في الإعلام الحديث.
ظل محمد التيجاني وفيًّا لمجموعة من القيم الإعلامية، وكرّس برنامجه للدفاع عن:
القضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة.
حرية التعبير وحقوق الإنسان.
الوحدة العربية والتكامل الثقافي.
الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين.
مواجهة التطرف والإقصاء.
محمد التيجاني ليس نجمًا بالمعنى الإعلامي السائد، لكنه مرجع إعلامي مهني لدى شرائح واسعة من النخب والباحثين.
يحظى بتقدير الصحفيين الشباب كقدوة.
يُستضاف كمحلل ومحاور في القنوات الجادة.
تُستخدم مقاطع برامجه في الندوات والأبحاث الإعلامية.
محمد التيجاني هو امتداد لتقاليد الإعلام الرصين الذي يُحاور بعقل لا بعاطفة، ويفكر لا يصرخ. بدأ من الإذاعة، وصار اليوم أحد وجوه الإعلام العربي المحترفة، الذي استطاع أن يحافظ على اتزانه وسط فوضى الإعلام.
إنه الصوت الذي يُذكّرنا أن الإعلام الحقيقي ليس مجرد منصة، بل مسؤولية ورسالة