منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠٢٣، ومع تصاعد العدوان على قطاع غزة، وقف الأردن موقفاً أخلاقياً ثابتاً لا لبس فيه، متمسكاً بدوره العروبي والتاريخي والإنساني تجاه الشعب الفلسطيني، وعلى وجه الخصوص تجاه أهلنا الصامدين في غزة هاشم، تلك البقعة المباركة التي تحمل من الألم والصمود ما يزلزل الضمائر الحرّة.
فمنذ اللحظات الأولى للعدوان، قاد جلالة الملك عبدالله الثاني مواقف أردنية مشرفة، عبّر فيها عن رفضه التام للمجازر، وضرورة وقف إطلاق النار والبحث عن آفاق سياسية، مؤكداً في المحافل الدولية أن ما يجري في غزة لا يمكن السكوت عنه، ولا تبريره تحت أي ذريعة.
لم تكن المواقف الأردنية مجرد تصريحات إعلامية، أو مساعٍ دبلوماسية فقط، بل كانت أفعالاً ملموسة على الأرض، تُرجمَت عبر الجسور الجوية، والمساعدات الطبية، والمستشفيات الميدانية التي وصلت إلى عمق غزة تحت النار والحصار، وتقديم العلاج لكثيرين من أطفال غزة في المستشفيات الأردنية، وسيّرت طائرات سلاح الجو الأردني مئات الشحنات الإنسانية، وأنزلت المؤن والأدوية بالمظلات، وسيرت قوافل الإغاثة الإنسانية والغذائية والطبية عبر الهيئة الخيرية الهاشمية، لأناسٍ تقطعت بهم سُبل الحياة، في رسالة تقول: "لسنا غائبين عنكم، ولن نكون".
وبالتوازي، ظل المستشفى الميداني الأردني في غزة شاهداً حياً على التضامن الأردني المستمر، مقدّماً الرعاية وسط النزف، والأمل وسط الألم. فهو ليس مجرد مركز طبي، بل هو عنوان إنساني نبيل، يحمل علم الأردن ووجدان أهله.
لقد اتسق الموقف الرسمي مع وجدان الشعب الأردني الذي عبّر عن مشاعره العميقة بكل وسيلة: من ساحات المساجد والكنائس، إلى المدارس والمخيمات والمراكز، مروراً بالنقابات والجمعيات الخيرية، التي سارعت إلى جمع التبرعات وتنظيم الفعاليات التضامنية. كان الأردنيون كتلة واحدة، قلبها في عمان، ونبضها في غزة.
وما يميز هذا الدور أنه ليس طارئاً، ولم يُملَ على الأردن من أحد، بل هو تجسيد لثوابت راسخة في السياسة الأردنية، تنبع من هوية هذا البلد ودستوره، ومن الإيمان العميق بالعدالة والكرامة الإنسانية، ومن الإرث الهاشمي العريق في نصرة المظلوم والدفاع عن المقدسات.
فغزَّة بالنسبة للأردنيين ليست رقعة على خارطة، بل هي قضية حياة، وهي امتحان للضمير العالمي، والأردن فيه هو الأوّل في الصفوف، يرفع صوته، ويمدّ يده، ويُصرّ على أن لا يكون الصمت خياراً.
وفي ظل انقسام عالمي صارخ، وعجز دولي مريع، يبقى الأردن بقيادته الحكيمة عنواناً للفعل المسؤول، والانحياز النبيل إلى الحق، والوقوف إلى جانب المظلوم، مهما بلغت التحديات. وكما بقول جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، فإنَّ
"الأمم العظيمة لا تُقاس بحجم أراضيها، بل بقدر ما تحمله من مسؤولية تجاه من لا صوت لهم."