في وقتٍ يتسابق فيه العالم نحو الاصطفافات والتحالفات، وسط أجواء مشحونة بالحرب المستعرة بين إيران وإسرائيل، ينهض الأردن من جديد، لا بجيشه فحسب، بل بصوته السياسي والأخلاقي الذي يقوده جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله، ليؤكد أن هذا الوطن الصغير بحجمه، كبيرٌ بمواقفه، ثابتٌ على مبادئه، لا تستهويه المصالح المتبدّلة ولا يساوم على القضايا العادلة.
فبينما تقف بعض الدول موقف المتفرّج، وأخرى تختبئ خلف بيانات دبلوماسية باهتة، وقف جلالة الملك وجهاً لوجه أمام المجتمع الدولي، في خطابٍ شجاع ألقاه في البرلمان الأوروبي، ليرفع الصوت عاليًا دفاعًا عن غزة وأهلها، وليُذكّر العالم أن هناك شعبًا يُباد على مرأى ومسمع من العالم، دون رادع أو ضمير.
لم يكن الخطاب مجرّد كلمات مرصوفة، بل كان موقفًا نابعًا من عمق الوجدان الأردني، ومن قائدٍ يحمل فلسطين في قلبه، ويضع القدس في حدقات عينيه، لا يُفرّق بين ضحية وصرخة، ولا يغضّ الطرف عن مشهد الموت الذي يُعاد يوميًا في غزة. في زمنٍ كثر فيه الصامتون، تكلّم الملك، وحين تهاوت لغة الإنسانية على أعتاب المصالح، ثبت الأردن على ثوابته.
إنها ليست المرة الأولى التي يصدح فيها صوت الأردن، لكنها جاءت هذه المرة في توقيتٍ بالغ الحساسية، حيث الصمت الدولي بات تواطؤًا، والمواقف الرمادية أصبحت خيانة لحقوق الإنسان.
جلالة الملك لم يكتفِ بإدانة ما يحدث، بل وضع العالم أمام مسؤولياته، وساءل المنظومة الدولية عن معاييرها المزدوجة، وعن غيابها المريب عن جراح غزة، ودماء أطفالها، وصرخات أمهاتها.
هذا هو الأردن، دولة لا تساوم على الحق، ولا تخشى في العدل لومة لائم. وهذا هو الملك، قائدٌ لا يُجامل على حساب القيم، ولا يصمت حين تموت الكلمة.
ففي زمن الضجيج الفارغ، يعلو صوت الحق من عمّان.. وفي زمن التخاذل، يقف الأردن بثقةٍ وشرف، مدافعًا عن عروبة فلسطين، وأصالة القضية، وحق الشعوب في الحرية والحياة.