مع إشراقة موسم الحج وعيد الأضحى المبارك، تتجدد في قلوب المسلمين شعائر عظيمة تربطهم بميراث النبوة وتاريخ الإيمان، وتأتي في طليعتها الأضحية والهدي، واللتان تمثلان قُربتين جليلتين يتقرب بهما العبد إلى ربه في هذه الأيام المباركة. ورغم ما بينهما من تشابه ظاهري، إلا أن لكل منهما أحكامًا ومقاصد تميزها عن الأخرى.
الأضحية هي ما يُذبح من بهيمة الأنعام – وتشمل الإبل والبقر والغنم – في أيام عيد الأضحى، وذلك من بعد صلاة العيد وحتى مغيب شمس اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة. وتُشرع الأضحية لعموم المسلمين، سواء كانوا حجاجًا أو غير حجاج، وتُعد سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يثاب فاعلها، ولا يأثم تاركها. ويتسع نطاق نفعها ليشمل أهل البيت والفقراء والمحتاجين، حيث يُستحب أن يأكل المضحي من أضحيته ويهدي منها ويُطعم.
أما الهدي، فهو الذبيحة التي تُهدى إلى الحرم، ويكون ذبحها واجبًا على من يؤدي نسك التمتع أو القِران في الحج، كما يُشرع الهدي في حالات الفدية، كمن ارتكب محظورًا من محظورات الإحرام، أو لمن عليه جزاء صيد، أو أوفى نذرًا. ويُشترط أن يُذبح الهدي داخل حدود الحرم في مكة المكرمة، ويُصرف لحمه لفقراء الحرم والمشاعر المقدسة دون غيرهم.
ومن أبرز الفروق بين الأضحية والهدي أن الأضحية لا يُشترط فيها أداء الحج، وهي مشروعة في أي مكان في العالم، بينما الهدي مرتبط مباشرة بالحج أو العمرة، ويُذبح في مكان وزمان محددين. كما أن الأضحية سنة مؤكدة، أما الهدي فقد يكون واجبًا كما في حالات المتمتع والقارن، أو مستحبًا في بعض النُسك.
وبينما يأخذ المضحي من أضحيته ما شاء من اللحم، فإن الهدي يُوزع بالكامل على الفقراء دون أن يأخذ الحاج منه شيئًا، إلا في حالات معينة يُسن فيها الأكل من الهدي.
ويمثل كل من الأضحية والهدي مظهرًا من مظاهر التقرب إلى الله، وتجسيدًا لمعاني الطاعة والتسليم، واقتداءً بخليل الله إبراهيم عليه السلام حين فدى الله ولده بذبح عظيم، وسُنّة نبوية متوارثة تحيي في الأمة روح الرحمة والعطاء والتكافل.
وفي ظل التقدم التقني والتنظيمي الذي تشهده المملكة، أطلقت العديد من الجهات الرسمية والجمعيات الخيرية برامج منظمة لتنفيذ الأضاحي والهدي، تيسّر على المسلمين أداء هذه الشعيرة بإتقان وسهولة، وتضمن وصول لحومها إلى مستحقيها في الوقت الشرعي المحدد.
ويبقى إدراك الفرق بين الأضحية والهدي أمرًا مهمًا للمسلم ليؤدي عبادته على الوجه الصحيح، ويُحسن النية في كل قُربة، رجاءً للقبول والثواب من الله سبحانه وتعالى في أيام هي من أعظم أيام العام أجرًا وبركة.