ألقى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي، الشيخ الدكتور عبدالباريء بن عواض الثبيتي، خطبة الجمعة التي تناول فيها سيرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بوصفها منهجًا ربانيًا حيًا، ودستورًا خالدًا يُصلحُ به حالُ البشرية في كل زمان ومكان، ويُحيي القلوب، ويُرسي مبادئ العدل والرحمة والمساواة.
وأشار فضيلته إلى أن السيرة النبوية هي رحلة عظيمة مليئة بالدروس والعبر، بدأت من خلوته في غار حراء، حيث بدأ نزول الوحي، إلى منبر المدينة حيث أُعلنت الرسالة، مرورًا بمرحلة اليتم والابتلاء، وانتهاءً بريادة الأمة وتمكينها، موضحًا أن اليُتم لم يكن ضعفًا في سيرة النبي، بل كان دافعًا للتوكل على الله، والاعتماد على النفس بثقة وثبات.
وتحدث عن زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - مؤكدًا أن هذا الزواج كان نموذجًا في الحب الصادق، والمودة والرحمة، والشراكة النبيلة التي قامت على الوفاء والدعم، مضيفًا أن أول نداء من السماء كان أعظم ما سمعته البشرية: "اقرأ باسم ربك"، لتبدأ أمة جديدة شعارها العلم، وركيزتها الإيمان.
وبيّن الشيخ الثبيتي كيف احتضنت خديجة النبي في لحظات الخوف الأولى بعد تلقي الوحي، بكلماتها الخالدة التي كشفت عن حكمة المرأة المؤمنة، مؤكدًا أن من يسير على نهج النبي بالإحسان والرحمة فلن يُخزيه الله أبدًا.
كما أوضح أن دعوة النبي كانت رحمة تسري لا سطوة تُفرض، حيث قال الله تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وكان النبي يواجه الجهل بالحلم، والقسوة بالرفق، مؤكدًا أن الزمن الذي نعيشه اليوم بحاجة ماسة إلى العودة لمنهجه القائم على الحكمة والموعظة الحسنة.
وأشار فضيلته إلى أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - التي فاقت الوصف، فقد كان قدوة في الصفح والكرم والتواضع، لا يفرّق بين الناس، ويعامل الجميع بمحبة وإنصاف، وكان زوجًا عطوفًا، وقائدًا حكيمًا، ومصلحًا رحيمًا، وعبدًا شكورًا يقوم لله في جوف الليل.
واستعرض الشيخ الثبيتي مشهد خطبة النبي في حجة الوداع، عندما ألقى أعظم بيان في التاريخ أمام أكثر من مئة ألف من أصحابه، فأرسى دعائم العدالة والمساواة، وأبطل التفاخر بالنسب والمال، وجعل معيار التفاضل بالتقوى، وأوصى بالنساء خيرًا، وأكد حرمة الدماء والأعراض، ثم ختم وصاياه بوصية جامعة: "تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي".
وفي ختام الخطبة، ذكّر الشيخ الثبيتي بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، مشيرًا إلى أن المدينة اهتزّت، لكن النور لم ينطفئ، وبقي الأثر، وبقيت الأمانة في أعناق الأمة، داعيًا إلى السير على نهجه، وإحياء سنته، لأن المحبة الصادقة ليست باللسان، بل باتباع الأفعال.