تشكل الاستثمارات المناخية طوق نجاة في سياق مواجهة مخاطر أزمة المناخ، فيما يتعين على الحكومات والشركات والمجتمع الدولي العمل سوياً لزيادة تلك الاستثمارات، وتوجيه الموارد نحو مشاريع تعزز الاستدامة البيئية، وتسهم في تقليل تأثير التغير المناخي.
فرضت هذه القضية نفسها بشكل أو بآخر على عديد من النقاشات على هامش معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول "أديبك" 2023، وهو الملتقى الأكبر لقطاع الطاقة في العالم، والذي انطلق الاثنين، بمشاركة قادة القطاع وصُناع السياسات والمبتكرين من أنحاء العالم، وذلك من أجل تعزيز جهود خفض الانبعاثات من منظومة الطاقة الحالية.
أكد المشاركون أهمية تعزيز الاستثمارات في قطاعات "الطاقة المتجددة" وفي سياق الهدف الذي يحظى بدعم 85 بالمئة من اقتصادات العالم، والمرتبط بزيادة قدرات الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول العام 2030.
وفي أحدث تقاريره، حث صندوق النقد الدولي، يوم الاثنين، القطاع الخاص على زيادة استثماراته المتعلّقة بالمناخ بشكل كبير، خصوصاً في البلدان النامية، حتى يصل العالم إلى صافي الكربون الصفري بحلول العام 2050.
يجب استثمار تريليوني دولار سنوياً بحلول العام 2030، وفقاً لبيانات وكالة الطاقة الدولية المذكورة في التقرير.
صندوق النقد الدولي أشار إلى أنّ هذا أعلى بكثير من المبلغ المقرّر للسنوات السبع المقبلة والمقدّر بـ 400 مليار دولار.
حذّر تقرير الصندوق من أن البلدان، وخصوصاً ذات الاقتصادات الناشئة أو النامية، لن تتمكن من زيادة مستويات ديونها بنسبة 45-50 في المئة في المتوسط.
وقال نائب مدير إدارة الشؤون المالية في صندوق النقد الدولي، رود دي مويج، في مؤتمر صحافي عبر الإنترنت: "الخبر السار هو أن 90 بالمئة من التقنيات اللازمة لخفض الانبعاثات بحلول العام 2030 موجودة بالفعل".
للوصول إلى النشر الكافي للتقنيات اللازمة لخفض الانبعاثات، يجب على القطاع الخاص مضاعفة مساهمته من 40 بالمئة إلى 80 بالمئة.
حوالي 40 بالمئة من الأسواق الناشئة تم تصنيفها على أنها أقل من درجة الاستثمار، مما يعني أنها ليست في الوقت الحالي "جزءا من المجال القابل للاستثمار".
وكان الدكتور سلطان الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، والرئيس المعيَن لمؤتمر الأطراف "COP28"، قد جدد الدعوة إلى ضرورة مضاعفة إنتاج الطاقة المتجددة ثلاث مرّات بحلول العام 2030، وذلك خلال كلمته أمام معرض ومؤتمر "أديبك2023"، مؤكداً أن العالم بحاجة إلى خفض الانبعاثات بنسبة 43 بالمئة على الأقل بحلول 2030 لتفادي تجاوز ارتفاع درجة حرارة الأرض عن مستوى 1.5 درجة مئوية، وأن الاستثمارات في تكنولوجيا الطاقة النظيفة بلغت مستوى قياسيا قدره 1.7 تريليون دولار في العام الماضي.
أخبار ذات صلة
"إيني": سعر النفط بين 80 و85 دولارا مناسب للمنتج والمستهلك
"إيني": هناك حاجة لأسعار نفط مشجعة للاستثمار ولا تضر بالطلب
الهيدروجين الأخضر
وأشار إلى أنه من المخطط إضافة 440 غيغاواط من الطاقة المتجددة إلى شبكات الكهرباء هذا العام وهي أكبر زيادة سنوية في التاريخ. كما شدد الدكتور سلطان الجابر على ضرورة العمل الجماعي لتجاوز العقبات التي تعوق استخدام الهيدروجين على نطاق تجاري وتوسيع نطاق تطبيق تقنيات التقاط الكربون.
مؤسسة "بلومبرغ"، فإن إجمالي الاستثمارات العالمية في سياق التحول للطاقة منخفضة الكربون في 2022 ارتفع بنسبة 31 بالمئة، وصولاً إلى 1.1 تريليون دولار.
قاطرة السياسات المناخية
من جانبه، أكد الخبير في الشأن المناخي، حمدي حشاد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الاستثمارات المناخية تعد قاطرة السياسات المناخية، فهي تعطي تلك السياسات واقعية التنفيذ على أرض الواقع، بعد أن كانت تتمثل في مجموعة وعود فقط في وقت سابق.
وقال إن أهمية زيادة الاستثمارات المناخية مستقبلًا تبرز كونها تعد أساساً لتطبيق السياسات المناخية، والاهتمام بها سينعكس على حالة المناخ، وبالتالي من المتوقع أنه تكون هناك تطورات بسيطة نسبياً لكنها ستكون ملحوظة. فيما أشار إلى أن زيادة الاستثمارات المناخية تواجه بعض من العوائق التي تتمثل في:
تلك الاستثمارات عادة ما تتبع سياسات وتوجهات استثمارية كبرى.
أثر الصراعات الجيوسياسية التي يشهدها العالم على رأسها الحرب في أوكرانيا.
بوادر تعثر اقتصاد الصين، بما سيؤثر على بعض أنواع التكنولوجيا والاستثمارات المتعلقة بالمناخ نوعا ما.
التزام بعض الأطراف بتعهداتهم ومسارات الاستثمار يحكمه المصالح لدول على حساب الأخرى، ومجموعات اقتصادية منافسة لبعضها، وبالتالي هناك صعوبة في توفير التمويلات لتلك الاستثمارات.
البعض يرى فيها مخاطرة اقتصادية، في حين أطراف أخرى ترى أن لها ضرورة اقتصادية لتطبيقها.
الاستثمارات الصديقة للبيئة
وإلى ذلك، أكد عضو الاتحاد العربي للمناخ والبيئة، تحسين شعلة، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن هناك حراكاً عالمياً نحو الاستثمارات الصديقة للبيئة، مشيراً إلى أن اتجاه العالم كله يصب نحو هدف واحد وهو عالم خالٍ من الانبعاثات.
وبشأن الاستثمارات الصديقة للبيئة التي من الممكن أن يوجه صندوق النقد الدولي العالم للاستثمار فيها، قال إن هنالك الكثير من الاستثمارات المتاحة في ذلك الصدد، من بينها الاستثمارات في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر كطاقة نظيفة بديلة. وهناك سباق دولي في هذا السياق بين عديد من الدول، فضلاً عن زيادة الاستثمارات في إنتاج واستخدام السيارات الكهربائية.
يضاف إلى ذلك أيضاً الاستثمار في إنتاج نباتات وأصناف مقاومة للتغيرات المناخية ومقاومة الظروف غير الموائمة في الفترات المقبلة، علاوة على استخدام المياه بطريقة آمنة، فهناك أولوية في العالم لاستخدام المياه المعاد تنقيتها ومن ثم استخدامها مرة أخرى.. وغيرها من الاستثمارات.
كما أوضح الخبير البيئي أن أي مشروع استثماري يكون هدفه التقليل من التغيرات المناخية مهما كانت تكلفته، فإ تلك التكلفة لم ولن تكون بنفس المردود السلبي الذي تسببه تلك التغيرات (..) واختتم حديثه بقوله: "إن المردود الإيجابي للمشروعات من تقليل للتغيرات المناخية سيكون أكبر من المردود السلبي والخسائر التي من الممكن أن تتعرض لها الدول في الفترة المقبلة، ويُتوقع أن تستجيب الدول بشكل أكبر لدعوات الاستثمار في المناخ".