عبر سنوات ماضية وقبل انتشار المولات والسوبر ماركت ذات الرفوف الجذابة بشكل ولون البضائع، كان الدكان والدكنجي أهم المظاهر الجميلة في القرية والأحياء وكان ما يعرف بـ”دفتر الدين” واحداً من أهم طقوس المستمرة حتى يومنا الحاضر رغم ما شهدناه من تطور كبير في موضوع التجارة والتسوق وصلت إلى حد إيصال المشتريات إلى المنزل.
أسرار وأوضاع العائلات المالية هي من أبرز ما تخفيه "دفاتر الديون” التي تعتبر ملاذاً للأسر والعائلات متدنية الدخل خلال العقود الماضية.
لعل أحوال المواطنين وظروفهم المعيشية أجبرتهم على تحويل كثير من مشترياتهم إلى”دفتر الدين” بسبب الالتزامات الشهرية من فواتير كهرباء وماء وأجرة شقة وبنزين السيارة وتقلّص مصروفات الأسر على المواد الغذائية وتحويلها إلى دفتر الدين.
"دفتر الدين” لم يعد مقتصرا على "الدكانة” وما تبيعه من مواد غذائية أساسية بل امتدت إلى محلات الخضار والدواجن وحتى المخابز كشفت عن وجود دفتر للدين فيها.
الشهر طويل وعمر الراتب قصير
يقول أبو معاذ، مواطن يعمل في وظيفة حكومية، بإحدى الوزارات إنه يستدين كثيرا من احتياجاتها الشهرية من السوبر ماركت في الحي الذي يعيش فيه بما لا يقل عن 70 دينار شهرياً وفي بعض الأشهر يزيد المبلغ عن ذلك، والسبب أن مستلزمات الأسرة من المواد الغذائية لا يمكن اختصارها أو التوقف عن شراء بعضها، والمال غير متوفر في جيبه باستمرار.
وأشار في حديثه إلى "لنيروز” إلى أن أيام الشهر طويلة ويحتاج للكثير من المشتريات، في حين أن الراتب ينفد بسرعة مما يضطره للدين بعد اليوم العاشر من الشهر .
واضاف أن الالتزامات متعددة وكثيرة من إيجار منزل وفواتير كهرباء وهاتف وقسط سيارة، والبنزين الذي أصبح يشكل عبئا ً كبيرا ويأخذ الجزء الأكبر من الراتب. وبين أنه يلتزم في تسديد ديونه بشكل شهري عند استلام الراتب رغم يقينه أن ما تبقى لا يكاد يكفي حتى منتصف الشهر لكنه لا يتأخر على صاحب المحل خوفاً من تراكم الديون من جهة ومن طلبها من قبل التاجر في وقت لا يكون يملكها .
دفتر الدين ملاذ أغلب طبقات المجتمع
ابو امجد مالك (دكانة) منذ عام 1995 في إحدى أحياء القرى القريبة من عمان، قال إن دفتر الدين لم يتوقف في دكانة طوال تلك الفترة رغم تراجع البيع والدين بشكل عام بسبب انتشار محلات السوبر ماركت والمولات، إلا أن الزبائن يعودن إلية بين الفترة والأخرى لأخذ احتياجات بسيطة لا تحتاج الذهاب إلى المول الكبير.
ويضيف أن بعض الديون تستمر شهورا خاصة منذ انتشار جائحة كورونا، حيث لم يعد بمقدور المواطنين السداد والالتزام الشهري بها، مشيرا إلى أنه أصبح يتوقف عن إعطاء المشتريات لأي شخص يتجاوز دينة الـ100 دينار لحين سداد ما عليه.
ويضيف أنه لاحظ خلال السنوات الماضية أن جميع فئات المجتمع أصبحت تستدين على الدفتر، حيث كان الامر سابقا مقتصرا على عمال المياومة أو المزارعين أو المتقاعدين من أصحاب الرواتب البسيطة، إلا أنه اليوم أصبح يشمل كافة الشرائح من موظفين وأصحاب مصالح وحتى السيدات وربات البيوت أصبحن يطلبن الشراء بالدين.
يقول ابو امجد إنه "لاحظ تغير سلوك في الاستهلاك، فالأسر تخلت عن الكماليات التي كانت في الأمس القريب من الأساسيات. ويضيف أنه لا يفضل العمل بدفتر "الدين”، إلا أن ظروف الحياة ومعرفته بواقع أبناء حيه تجعله مجبراً على الموافقة لمراعاة ظروفهم.
انتعاش دفتر الدين
من جهته، يرى الخبير والمحلل الاقتصادي زيان زوانة، أن دفتر الدين مرتبط بالقديم من الزمن بدكانة الحي وكانت في العادة "دكانة واحدة” تخدم مساحة كبيرة من السكان وتقدم كل شي تحتاجه الأسرة من مواد غذائية وتموينية وخضار ولحوم وخبز أحيانا.
وقال في تصريحات ”لنيروز” إنه مع تطور الحياة وانتشار محلات السوبر ماركت والمولات الضخمة كاد أن يختفى هذا الدكان وتحسن الدخول وتطور الحركة التجارية والمولات حيث تحول غالبية المواطنين إلى هذه المولات الكبيرة والتي لا تتعامل بالدين نهائيا.
واضاف أنه خلال السنوات الماضية ونتيجة لضعف الأوضاع الاقتصادية وثبات الرواتب دون زيادة تراجع الكثير من المواطنين ولم يعدوا قادرين على تأمين مستلزمات الحياة، يعود الشراء من خلال "الدين”.
وأوضح زوانة أن جائحة كورونا وما شهدته البلاد من إغلاقات، عادت دكانة الحي للواجهة وانتعش دورها التجاري من جديد وتفاعل معها "دفتر الدين”، مشيرا إلى أنه حتى بعد فتح القطاعات لاحظنا ضعف الحركة التجارية على المولات والمؤسسة الاستهلاكية ولم يعد الوضع كما كان بالسابق لأسباب تتعلق ب ضعف الدخل وقلة ما في الجيب ومحاولات الاستغناء عن الكماليات على حساب المستلزمات الأساسية.
وبين أن المواطن أصبح يتكيف في حياة معيشية جديدة مع انخفاض الدخل وارتفاع الأسعار وانتشار البطالة، وأصبح يتدبر نفسه من بداية الشهر حتى آخره، ويمكن وصفها بأن المواطن في هذا الإجراءات يريد أن "يستر نفسه” فقط.