عزوف المهندسات الأردنيات عن العمل في الهندسة حالة يتم تسليط الضوء عليها قليلا ، وكثيرا ما يتم تجاهلها من عدة جهات وأهمها المظلة المسؤولة عن كل المهندسين والمهندسات ألا وهي نقابة المهندسين الأردنيين ، فالمهندسات العازفات عن الهندسة في تزايد في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية وحاليا الوبائية والتي تتعرض لها المملكة. فالمهندسة الأردنية تعاني حقيقة من جندرة واضحة في كل نواحي العمل الهندسي كما وبالتمثيل النقابي في نقابة تحمل اسما ذكوريا بامتياز .
قد يجادل البعض دفاعا عن نقابة يُشهد لها بقوتها على مدى سنين طوال ويُشهد لها بإنجازاتها المهنية إلّا أن هناك تواضع ملحوظ في مساهمة النقابة في رصد وتقديم حلول ومعالجة تحديات المرأة المهندسة والعمل على تمكينها على المستوى المهني والعملي والمجال النقابي . لندع الأرقام تتكلم: عدد المهندسين والمهندسات المنتسبين للنقابة يقارب 173,000 تشكل النساء منهم ما يقارب 47,000 وهي كنسبة لا يستهان بها أبدا فهي تقارب 30% ، علما انه في شعب معينة كالهندسة المعمارية والكيماوية يفوق عدد المهندسات نظرائهنّ من الذكور. فإذا نظرنا إلى الرقم 47 ألفا بتجرد ليقارن بعدد النساء والتمثيل النقابي نجد أنه من المخزي أن تمثل النساء الصفر في مجلس النقابة على مرّ السنين في نقابة بهذه القوة. ومن أصل 62 لجنة هندسية ترأسها فقط 9 نساء بنسبة 14.5 % مقابل 85.5% للذكور. ومن أصل 20 لجنة نقابية ترأسها فقط سيدتان بنسبة خجولة جدا لتكون 10%. ولو تكلمنا عن المناصب الإدارية العليا والتي عددها 15 منصبا نجد فقط 3 نساء يشغلنها.
تلك الأرقام ماهي إلا توضيح وتأكيد للغيبوبة النقابية لقضية مهمة تشغل حاليا المنظمات المحلية والدولية، وما هذا إلا انعكاس لأحد أهم أسباب عزوف المهندسات عن العمل الهندسي، فكيف للنقابة أن تمكّن المرأة إن لم تشارك النساء في صنع واتخاذ القرار، فتطور وتقدم المرأة وظيفيا ولا سيما في المراكز القيادية له عوامل معيقة عدة منها السقف الزجاجي و سياسات العمل وبيئته وفرق الأجور وعدد ساعات العمل وغيرها فكيف تستطيع النقابة المعنية بمنتسبيها جميعا أن ترصد تحديات المرأة المهندسة ومشكلاتها الحقيقية في العمل؟! فهي كالقصة المهجورة والتي لا داعي للتطرق إليها إلا بداعي رفع العتب أو بالانتخابات كناخب طمعا في صوتها. كيف لنا أن نتكلم عن تكافؤ الفرص وهي التي يتم تجاهلها وتهميشها مهنيا؟! فهل نلوم المرأة مرة أخرى معتمدين على أنها تنأى بنفسها عن المشاركة في الأعمال النقابية والمشاركة في تمثيل جدلي؟! هل ما زلنا نراهن على أن المرأة والعمل الرعائي حاجزا لمشاركتها النقابية؟! أم ما زلنا نتكلم عن ثقافة المجتمع ذاته الذي يشجع النساء على دراسة الهندسة لتصبح المهندسة فلانة ولكن في نفس الوقت لا يثق بها وبقدرتها على اتخاذ القرار ومن ثم يطالبها بالتزام المنزل؟!
نعم لنعترف، هناك قصور واضح من النقابة في هذا المجال وفي الدفاع عن المهندسات وحقوقهن والعمل على رصد مشاكلهن وحلها، مما يؤدي إلى عزوف المرأة عن الهندسة لتتحول إلى أعمال أخرى قد تسندها ماليا وتحررها اقتصاديا فهي مقيدة مجتمعيا ونقابيا.
بشكل عام، يظهر على النقابات المهنية والعمَّالية عدم الاكتراث بحقوق المرأة، فهي لا تناقش قضايا التمييز ضد النساء والعنف القائم على اساس النوع الاجتماعي، ولا حتى المساواة في الأجور وغيرها الكثير مما يواجهنه النساء وحتى الأمور النقابية الداخلية منها كقانون الانتخاب مثلا. فعلياً بعض منها يقع على عاتق النقابة والآخر على عاتق الدولة إلا أن النقابات بشكل عام ونقابة المهندسين الأردنيين بشكل خاص والتي تعتبر أكبر النقابات المهنية بإمكانها الضغط والحشد لتنفيذ مطالب هرمت النساء محاولة تحقيقها، وللأسف تجد العديد من النقابات تعتبر أنها مشكلات نسائية وتخص النساء وحدهنّ .
علينا أن نتوقف عند كلمات ظهر الشيب في رؤوسنا ونحن نسمعها كنُشيد بجهود واستَعْرَض الحضور ورَحّب المسؤولون وأجمع الحضور على ضرورة (...) وحان الوقت لتحويلها إلى إنجازات حقيقية في تعزيز وتغيير دور المرأة المهندسة وتمكينها مهنيا ونقابيا لما فيه مصلحة للوطن واقتصاده.