من الظواهر السلبية التي أصبحنا نشاهدها، بوضوح، في السنوات الأخيرة، لدى طائفة من العاملين في الإعلام أو المحسوبين عليه ـ تلك الظاهرة المركّبة من عنصرين رديئين، هما: النرجسية من جهة، والادّعاء الفارغ من المضامين الحقيقية من جهة ثانية.
في ظني أنه ليس من المناسب أن يصف أحدٌ نفسه بأنه (خبير إعلامي)؛ لمجرد أنه عمل مذيعا في برنامج خدماتي صباحي أو مسائي، ما تزال قضاياه وشكاواه، وهموم المتعاملين معه هي هي منذ العام 1970.
كما أنه ليس من المناسب أن يقفز أحدهم فوق حواجز حدود قدراته وإمكاناته؛ ليصف نفسه بأنه (خبير إعلامي دولي)؛ لمجرد أنه عمل في وسيلة إعلامية عربية أو أجنبية... وهو لا يكفُّ في كل لحظة عن وصف نفسه بهذا الوصف، بطريقة تدعو إلى شفقة الأسوياء العارفين وسخريتهم.
نحن نعرف أن (كثيرا) ممن غادروا الأردن؛ ليعملوا في (بعض) وسائل الإعلام العربية أو الأجنبية لم يكونوا بالضرورة أفضل من (كل) زملائهم الذين آثروا البقاء في الوسائل الإعلامية المحلية؛ سواء كانت إذاعة أو تلفازا، أو صحفا ورقية.
وليس من اللائق أن يَـسِمَ أحدُهم نفسه بوسم (صحافي) لمجرد أنه عمل (مخبرا) أو (ناقل أخبار رديئة) من قاع المجتمع، أو رضي لنفسه أن يكون (مِنْسَاسَا) في يد صاحب صحيفة أو موقع إليكتروني؛ ينخسُ به هذا أو ذاك؛ لابتزاز مبالغ من المال على شكل شيكات نقدية مباشرة، أو على شكل إعلانات شكلية، لا يطلع عليها أحد.
كما أن عملية نسخ الأخبار من مصادرها المتعددة، وإلصاقها على صفحته في الفيسبوك، أو على موقعه الإلكتروني لا تجعل من هذا أو ذاك صحافيا، ولا تبيح له أن يـدّعي زمالة (محمد حسنين هيكل)، أو (طلال سلمان)، أو (أحمد الجار الله) أو غيرهم من أعلام الصحافة العربية.
ومما يزيد من مضاعفات هذه الظاهرة الخطرة ـ وجود فئة من السطحيين والسذج ممن يصدقون ادعاءات هؤلاء المدعين؛ لنقص في قدراتهم الإدراكية، وضحالة في مستويات الوعي لديهم، تجعلهم يصدقون كل من يقوم بـ (الخرط عليهم)، و(الهشت على حضراتهم)، فتراهم يصفون هذا، أو ذاك بأنه (صحفي مخضرم) أو (إعلامي مخضرم)؛ ظنا منهم أن (الخضرمة) هذه تعني (الكفاءة والاكتناز بالخبرات والتجارب).
ويضاف إلى تلك الفئة فئة أخرى، ممن يقومون بــ (التّهوية) لأولئك المدّعين في كل مناسبة، فيرمون أمامهم بالطعم الخبيث، فيبتلعونه سريعا؛ لتكون الاستجابة مزيدا من الهذيان والبطولات الوهمية.
أعرف أناسا عملوا في الإعلام أربعين عاما، أو أكثر، ولم يدّعِ أحدهم، يوما، بأنه (إعلامي)، وكان الواحد منهم إذا سئل عن مهنته، أو عمله قال: (أشتغل) في إذاعة كذا، أو صحيفة كذا، أو تلفزيون كذا؛ متحرجا من القول: أنا إعلامي، أو أنا صحفي.
النجار، والميكانيكي، والبليط، والدهان، وغيرهم من أصحاب المهن والصنائع يعرفون بجودة ما ينتجون، ومستوى ما ينجزون من أعمال...وكذلك يجب أن يكون الإعلامي، مهما كانت الوسيلة التي يعمل فيها؛ فلا قيمة حقيقية له إن لم يكن لعمله جوهر أو مضمون حقيقي، يمكن لمسه وقياسه، بمقاييس الصدقية، والثبات من ناحية، وجودة الأداء والتنفيذ من ناحية ثانية.
وأخيرا، أقول: ليس كل من حصل على شهادة في التاريخ مؤرخا. وليس كل من حصل على شهادة في اللغة والأدب لغويا أو أديبا. وليس كل من حصل على شهادة في الفلسفة فيلسوفا. وليس كل من عمل في الإعلام أو تولى منصبا فيه إعلاميا.