بعد تولي الملك اليهودي إلكساندر جنايوس الهاشميني الحكم عام ١٠٣ ق م ، قام بإستغلال ضعف الاغريق السليوكيين من حكام سوريا ، وكذلك ضعف الحكام الإغريق البطالسة بمصر ، وقام بالتوسع بإتجاه ميناء غزة الفلسطيني ، فحاصر المدينة حصاراً قاسياً عام ١٠٠ ق م ، وبعد إحتلالها عاقب سكان المدينة بقسوة كون الفلسطينيين وقفوا الى جانب البطالسة الإغريق بحروبهم السابقة ضد اليهود الهاشمينيين ( المكابي ، الأسياد )، كانت هذه الحادثة بمثابة خط أحمر بالنسبة للأنباط ، كونهم والفلسطينيين شركاء بالتجارة وتربطهم علاقات متينة معهم، وميناء غزة كان شرياناً لتجارة الأنباط عبر البحر المتوسط ، ولم يتوقف الكساندر جنايوس عند هذا الحد ، بل توسع شرق نهر الأردن فاحتل جلعاد ومناطق من شمال مؤاب وأنشأ قلعة مكاور لتكون رأس حربة ضد الأنباط ، ثم توسع شمالاً الى منطقة الكفرين ودير علا وصولاً الى مدينة ام قيس فحاصرها ودمرها عقاباً على صمودها الطويل أمام جيشه ، وأوغل بالقتل بين سكانها تماماً كإنتقامه من مدينة غزة.
هذا التحرك العسكري المفاجيء والسريع على كل الأصعدة جعل تجارة الانباط معرضة للخطر ، فميناء غزة شريان الأنباط الرئيس للتجارة بالبحر المتوسط ، واحتلال المدن الحليفة بالشمال يقطع الطريق الى مدينة دمشق ممر القوافل الى سوريا وتركيا .
توفي الملك الحارث الثاني عام ٩٦ ق م ، وخلفه بالحكم إبنه الملك عبادة الأول ، ورث عبادة عن والده حملاً ثقيلاً ، وكان لا بد له ان يتحرك لوقف التوسع اليهودي وإعادة البلدات شرق النهر الى وضعها السابق فدق هذا التحرك ناقوس الخطر واعتبر خطراً حقيقياً بل وتهديداً لوجود الانباط وقطع رزقهم .
بالبداية قام الملك عبادة بالعام ٩٣ ق م ، بجر جيش الكساندر جنايوس الى مرتفعات الجولان ، واستطاع ان يستخدم الطبيعة الجبلية لصالحة ، فهزم جيش الكساندر لأول مرة وهرب الجيش اليهودي الى وادي اليرموك ، واعتقدوا ان الأنباط اكتفوا بذلك النصر ، ولكن عبادة لم يكتفي بذلك بل كان مصمماً على كسر شوكة الكساند الى الأبد وإبادة جيشه عن بكرة أبيه لكي لا يهدد مجدداً شرق الأردن فقام بجمع الجمال وبقيادة بعض الجمالين وتوجهوا للعدو ودفعوا بجيش الكساندر الى منطقة محاصرة بين جبلين قرب مدينة أم قيس فانقض الأنباط عليهم وحاصروهم من كل صوب وحدب ، وأذاق عبادة لإلكساندر وجيشه نفس الكأس الذي تجرعته مدينتي أم قيس وغزة على يد الكساندر وجيشه ، فأوغل بجيش الكساندر قتلاً ولم يشأ ان يأخذ أسرى حرب ، وقتل أغلب الجيش ولكن الكساندر نجى بنفسه بإعجوبة من القتل وفر هارباً من ارض المعركة .
نتج عن هذه المعركة الخالدة استرجاع كل المدن العربية والآرامية شرق نهر الأردن ، واستعادة منطقة النقب وكذلك إسترجاع مدينة غزة وعودتها لحكم الفلسطينيين حلفاء الأنباط ، وقتل حلم الكساندر بنشر الديانة اليهودية شرق الأردن وكسر شوكة اليهود وأحلامهم بالتوسع ، لقد تجاوز الكساندر جنايوس الخط الأحمر ، ولم يتهاون عبادة بالرد عليه .
وبنيت بصحراء النقب مدينة عبدات ، وهي من اجمل المدن النبطية بعد البتراء ، ولقد سميت كإحدى مدن التراث العالمي .
نودي بعبادة إلاهاً من قبل الأنباط لإنجازه العسكري الفذ وحكمته .
بقلم: سالم ابراهيم الشديفات
-خبير ومتخصص باللغة العبرية والمسكوكات والتاريخ القديم للأراضي المقدسة.
-عضو مدى الحياة بالجمعية الامريكية لخبراء المسكوكات :عضوية رقم: ٣١٢٦٥٢
-عضو مدى الحياة بجمعية خبراء أصالة المسكوكات: عضوية رقم : أ١٧٩٥٣