في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتشكل فيه ملامح العالم بوتيرة غير مسبوقة، يبرز تمكين الشباب كخيار استراتيجي لا يقبل التأجيل، وكمعادلة حتمية لصياغة مستقبل مشرق ومستدام. فالشباب ليسوا مجرد فئة عمرية عابرة، بل هم النبض الذي ينعش شرايين الوطن، والعقل الذي يبتكر، واليد التي تبني الحاضر وترسم ملامح الغد.
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى النظر إلى الشباب باعتبارهم شركاء فاعلين في صناعة القرار، لا مجرد متلقين له، وقادة في ساحات الإبداع وريادة الأعمال، لا متفرجين على مسيرة التنمية. فهم طاقة متجددة لا تنضب، إذا أُحسن استثمارها تحوّلت إلى قوة اقتصادية وثقافية واجتماعية عصيّة على الإيقاف.
لقد أثبتت الدراسات الدولية والتجارب العالمية الناجحة أن الاستثمار في الشباب ليس ترفًا فكريًا ولا مبادرة موسمية، بل هو البنية التحتية الحقيقية لأي مشروع نهضة وطنية. فكل ما يُستثمر في تعليم أو تدريب الشباب يثمر أضعافه في الإنتاجية، والابتكار، والاستقرار المجتمعي.
ولتحقيق تمكين حقيقي، لا بد من نهج شامل ومتكامل يبدأ من تعليم نوعي حديث يواكب تطورات العصر، ويشمل المهارات المستقبلية كالذكاء الصناعي، والتحول الرقمي، وريادة الأعمال، ويمتد إلى برامج تدريب عملية تصقل الخبرات وتربطها بسوق العمل. ويجب أن يترافق ذلك مع بيئة حاضنة للأفكار المبدعة، عبر حاضنات الأعمال، والمنح التنافسية، والتمويل الميسر، والإرشاد المتخصص، ليتمكن الشباب من تحويل أفكارهم إلى مشروعات ريادية قادرة على المنافسة محليًا وعالميًا.
غير أن التمكين لا يكتمل إلا بإشراك الشباب في صناعة القرار على مختلف المستويات، من المجالس المحلية في القرى والأحياء، وصولاً إلى مؤسسات الدولة الكبرى. فإشراكهم في رسم السياسات العامة لا يثري التجربة الديمقراطية فحسب، بل يعزز لديهم الإحساس بالمسؤولية والانتماء، ويجعلهم شركاء لكل إنجاز .
كما أن بناء الشخصية وتنمية المهارات الحياتية يمثل بعدًا جوهريًا في هذا المسار، فالقيادة، وحل المشكلات، والتفكير النقدي، والعمل بروح الفريق، كلها أدوات أساسية لإعداد جيل قادر على التكيف وسط عالم سريع التغير، وعلى قيادة مسيرة التنمية مهما كانت التحديات.
قصص النجاح الأردنية تؤكد أن الشباب، حين يجدون الدعم والثقة، يحولون الشغف إلى إنجاز، والأفكار البسيطة إلى شركات رائدة، والتحديات إلى منصات للانطلاق. من مبادرات بيئية حفظت مواردنا الطبيعية، إلى شركات ناشئة أصبحت تنافس على المستوى الإقليمي، يثبت شبابنا يومًا بعد يوم أن طموحهم بلا حدود، وأن المعجزات تبدأ بفكرة، وإيمان، وخطوة جريئة.
إن تمكين الشباب مشروع وطني شامل، يتطلب تكاتف الحكومات، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، وكل فرد يدرك أن مستقبل الوطن يبدأ من استثمار طاقات شبابه. ومع شباب واعٍ، متعلم، وملهم، و نصنع أردنًا مزدهرًا ونكتب فصلاً جديدًا من فصول الحلم الوطني، حيث يتصدر شبابنا المشهد بقوة الفكر وجرأة الإبداع، يزرعون الأمل في كل ميدان، ويصيغون مستقبلًا يليق بطموحاتهم وأحلام وطنهم، مستقبلًا تُبنى فيه الإنجازات بسواعدهم، وتُحفر فيه بصماتهم على صفحات التاريخ.