رقد حيّان الحربي، صاحب أغرب قضية عرفتها المحاكم السعودية، في العناية المركزة بعد تعرضه لحادث دهس، ليفارق الحياة تاركًا خلفه قصة لا تُنسى عن أعظم صور البر والتضحية.
قصة الحربي ليست عن مالٍ أو ميراث، بل عن أمٍ مسنّة لا يتجاوز وزنها 20 كيلوغرامًا، تقاسم قلبها ابناها، واختلفا في من يرعاها ويكسب برها. أراد حيزان، الابن الأكبر، أن تبقى في بيته الذي عاشت فيه طويلًا، ورفض أن يأخذها شقيقه الأصغر رغم إصراره بأنه قادر على رعايتها في منزله وأسرته.
الخلاف بين الشقيقين وصل إلى المحكمة الشرعية بمحافظة الأسياح، وتحوّل إلى قضية رأي عام تابعتها الجوامع والمنابر، وتحدث عنها الناس على أنها محاكمة استثنائية عنوانها الحب والتفاني.
وفي مشهد مؤثر، حمل الشقيقان والدتهما في صندوق كرتوني إلى المحكمة، ليواجهها القاضي بالسؤال الذي يختصر القضية كلها: "من تختارين يا أم حيزان؟"، فأجابت والدمع في عينيها: "هذا عيني هاذي، وذاك عيني تلك".. فاختنقت القاعة بالبكاء.
لكن القاضي حكم، بعد جلسات طويلة، أن تنتقل الأم لرعاية ابنها الأصغر نظراً لتقدّم سن حيزان، فبكى بحرقة، وبكى شقيقه، وخرجا يتناوبان حملها إلى السيارة التي ستقلها إلى بيتها الجديد.
حيزان الذي لم يعمل بوظيفة رسمية، كان مثالاً حياً على أن البر لا يحتاج مالاً بل قلباً نابضاً بالرحمة، وقد وثّقت مقاطع مصورة أقواله الصادقة عن حبه لأمه، حيث كان يناجيها، ويقبل يديها، ويقول: "كيف تكون أمي حية ولا أكون تحت قدميها؟".
رحل حيّان، لكن قصته ستبقى شاهدة على أن بعض القضايا لا تُرفع في المحاكم، بل في ميزان السماء.