داود حميدان -في زحمة الشوارع الضيقة، وبين صراخ الأبواق وضيق الوقت، قد تضيع الكثير من القيم.. لكن ليس في الأردن.
كنت أقود سيارتي الضخمة في طريق لا يتسع إلا لسيارة واحدة، أحاول الخروج من هذا الزحام بسلام. فجأة، وبدون قصد، اصطدمت سيارتي بسيارة مركونة على جانب الطريق. لم يكن هناك أحد بداخلها، ولا علامة تدل على صاحبها.
ترجلت من سيارتي، بحثت في المكاتب المجاورة، سألت العابرين، انتظرت ما يقارب الساعة.. دون جدوى.
في تلك اللحظة، قررت أن أترك شيئًا يدل على موقفي.. شيئًا يُطمئن صاحب المركبة ويخبره أن الدنيا ما زالت بخير. كتبت ورقة بسيطة، دوّنت فيها اسمي:
"أنا الدكتور محمد خير الحواتمة، هذا رقمي، وأنا المسؤول عن الضرر، أرجو التواصل معي."
وضعت الورقة على الزجاج ومضيت.
لم تمضِ ساعة حتى رنّ الهاتف. جاءني صوت هادئ ومحترم يقول:
"يعطيك العافية دكتور، معك المهندس رائد كوكش، أنا صاحب السيارة، ومسامحك من كل قلبي، لكن لفتني شيء... ما فعلته لا يُنسى. الطريق ما فيه كاميرات، وما كان أحد سيحاسبك لو مضيت، لكنك تركت ورقة كتبت فيها اسمك ورقمك وتوقيعك.. هذه أصالة أردنية نادرة، نخوة ورجولة وأمانة نفتخر فيها."
كانت كلماته أكبر من أي شكر. شعرت يومها أن الأردن ليس فقط أرضاً، بل منظومة أخلاق تُزرع في أبنائه.
إنها ليست قصة حادث بسيط، بل قصة وطن يعيش فينا، نغرسه في تصرفاتنا، ونُظهره في مواقفنا، دون انتظار مقابل.
تحية لكل أردني ما زال يحمل في قلبه الأمانة، ويكتب على زجاج السيارة "أنا المسؤول"، بدلًا من أن يهرب بصمت.