شكّل خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني في المؤتمر الثالث للأمم المتحدة للمحيطات، الذي عُقد في مدينة نيس الفرنسية، نقطة تحول محورية في الجهود الإقليمية والعالمية لحماية البيئة البحرية، فقد عكس الخطاب رؤية أردنية طموحة تستند إلى العلم والشراكات الدولية، وركّز على مبادرات نوعية أبرزها "العقبة للاقتصاد الأزرق" وإنشاء مركز عالمي لدعم المحيطات، مما رسّخ مكانة الأردن كفاعل بيئي دولي رغم محدودية الموارد.
وأجمع عدد من خبراء البيئة والإعلام على أن رؤية جلالة الملك تمثل خارطة طريق متكاملة لمواجهة التحديات البحرية، وأكدوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن العقبة تملك المقومات لتكون منصة عالمية لتجربة وتصدير الحلول المستدامة لحماية الشعاب المرجانية ومواجهة آثار التغير المناخي.
أمين عام وزارة البيئة السابق الدكتور محمد الخشاشنة، أكد أن خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في المؤتمر الثالث للأمم المتحدة للمحيطات، عكس رؤية استباقية وواقعية في التعامل مع التحديات البيئية البحرية، مشيراً إلى أن الأردن بقيادة جلالته يواصل تسليط الضوء على قضايا محورية تخص البيئة العالمية رغم محدودية الإمكانيات.
وأوضح، بأن المحيطات التي تغطي 71 بالمئة من سطح الأرض، تُعد مصدراً غذائياً رئيساً لمليارات البشر، إلا أنها تواجه تهديدات كبيرة، مثل التلوث بأنواعه والصيد الجائر وارتفاع درجات الحرارة وزيادة حموضة المياه، مما أدى إلى تدهور التنوع الحيوي، خاصة الشعاب المرجانية.
وأضاف الخشاشنة، أن جلالة الملك ركز في خطابه على أهمية الحلول العملية المستندة إلى العلم، حيث أعلن عن مبادرة العقبة للاقتصاد الأزرق، وإطلاق مركز عالمي لدعم المحيطات، وهو ما يعكس التزام الأردن بإيجاد حلول مستدامة لهذه التحديات.
وأشار إلى أن إنشاء مزرعة حديثة في العقبة لاستزراع الشعاب المرجانية يُعد خطوة رائدة، خاصة وأن الشعاب المرجانية في خليج العقبة تمتاز بمرونتها تجاه التغيرات المناخية، وستسهم هذه المبادرة في اختبار وتطوير تقنيات زراعية بيئية حديثة، بما في ذلك استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لإعادة تأهيل الشعاب.
وبيّن، أن الشراكات الدولية، ومنها التعاون مع الخبير فيليب كوستو، تضيف بعداً عملياً للمبادرة، وتُعزز فرص نجاحها، كما نوه بضرورة تعزيز مشاركة المؤسسات الأكاديمية الأردنية في هذه المبادرة من خلال البحث العلمي والشراكات الدولية، لما لها من دور أساسي في اختبار نتائج المشروع في بيئات بحرية مختلفة حول العالم.
وأكد، أهمية المضي في إجراءات الحد من التلوث البلاستيكي في منطقة العقبة والأردن عموماً، مبيناً أن التلوث البلاستيكي أصبح تحدياً عالمياً، والأردن قادر على أن يكون نموذجاً في مكافحته عبر السياسات والتشريعات والبدائل المستدامة.
كما أوضح، أن تعزيز صحة الشعاب المرجانية لا ينعكس فقط على حماية التنوع الحيوي، بل يسهم أيضاً في تخزين الكربون وتقليل غازات الدفيئة.
وأشار إلى ظاهرة تبييض المرجان الناتجة عن تحمض المحيطات بسبب زيادة ثاني أكسيد الكربون، مؤكداً أن الشعاب المرجانية في العقبة قادرة على التعافي إذا توفرت الظروف المناسبة.
واختتم بالتأكيد على أن المبادرة التي أطلقها جلالة الملك تشكل فرصة تاريخية للأردن ليكون في طليعة الدول التي تقدم حلولاً علمية وعملية لحماية البيئة البحرية، داعياً إلى تكاتف الجهود بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية لإنجاح المبادرة وتوسيع أثرها عالمياً.
وأشارت خبيرة الإعلام البيئي الصحفية فرح عطيات، أن كلمة جلالة الملك عبد الله الثاني في افتتاح المؤتمر الثالث للأمم المتحدة للمحيطات، شكّلت خارطة طريق إقليمية وعالمية لحماية البيئة البحرية من التهديدات المتزايدة، مثل التغير المناخي، التلوث، الاستغلال المفرط، وفقدان التنوع البيولوجي.
وبينت بأن مبادرة المركز العالمي لدعم المحيطات تُعدّ خطوة رائدة، خصوصًا في ظل ما أثبتته الدراسات من أن شعاب المرجان في العقبة تُعد الناجي الوحيد من آثار التغيرات المناخية، إذ لم تُسجّل عليها علامات الإبيضاض رغم تعرضها لدرجات حرارة مرتفعة، خاصة في فصل الصيف.
وأضافت العطيات، أن هذه الشعاب تُظهر قدرة ملحوظة على مقاومة التغيرات، ما يجعلها نموذجًا يُمكن البناء عليه لحماية الشعاب المرجانية عالميًا.
ورأت، أن مبادرة الاقتصاد الأخضر التي أُطلقت سابقًا في العقبة ذات أهمية كبيرة، لكونها تسعى إلى الاستخدام المستدام للموارد المائية وتحقيق النمو الاقتصادي مع الحفاظ على البيئة والقيم الثقافية.
وأوضحت العطيات، أن الاقتصاد الأزرق يشمل مجالات مثل توليد الطاقة من المياه، السياحة، استخراج الموارد البحرية، والتعدين.
وعن أبرز التحديات، بيّنت أن المشكلة تكمن في غياب استراتيجيات وخطط تنفيذ واقعية، إضافة إلى نقص في التكنولوجيا وارتفاع كلفتها، مؤكدة أن الحل يكمن في عقد شراكات مع القطاع الخاص والممولين لجلب التقنيات اللازمة لإنشاء المركز العالمي ودعم الاقتصاد الأزرق.
كما أشارت العطيات إلى تجربة الأمم المتحدة في استزراع الشعاب المرجانية، والتي أثبتت نجاحها لكنها بحاجة إلى تمويل وتقنيات حديثة لتعميمها، لافتة إلى أن استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في ترميم الشعاب يُعد من أحدث التقنيات التي تسهم في تسريع النمو المرجاني، إلا أن تطبيقها يتطلب كفاءات بشرية مدرّبة ومهندسين متخصصين.
وشددت على أن البحث العلمي ضرورة لا غنى عنها لتحديد التقنيات المناسبة، ورسم السياسات البيئية المستندة إلى بيانات واضحة، معربة عن الحاجة إلى إنشاء مركز متخصص للبحث العلمي ومركز موحد للبيانات البيئية، لتمكين صناع القرار من اعتماد خطط فعّالة.
وركزت كذلك على أهمية إشراك المجتمعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني، نظرًا لقربهم من الواقع ومعرفتهم باحتياجات وتحديات البيئة البحرية، إلى جانب دور القطاع الخاص كداعم وشريك في توفير التمويل والتكنولوجيا اللازمة.
وفي ختام حديثها، أكدت عطيات أن العقبة تمثل نموذجًا ناجحًا يمكن تعميمه عالميًا، حيث أظهرت القدرة على مقاومة التغيرات المناخية، مشيرة إلى أن الحفاظ على الشعاب المرجانية لا يعني فقط حماية التنوع البيولوجي، بل أيضًا دعم الاقتصاد السياحي، نظراً لجاذبيتها كوجهة رئيسة للغوص والسياحة البيئية، وبالتالي فهي مصدر دخل مهم لخزينة الدولة.
وقالت : "حديث جلالة الملك عن أن التكنولوجيا وحدها لا تكفي يضع النقاط على الحروف، لأننا بحاجة إلى تفاعل المجتمع المحلي، وتخطيط حقيقي، كي تتحول هذه المبادرات إلى واقع ملموس يعيد التوازن إلى بيئتنا البحرية".
وأكد رئيس اتحاد الجمعيات البيئية عمر شوشان، أن مبادرة العقبة للاقتصاد الأزرق تمثل تحولًا نوعيًا في منهجيات حماية البيئة البحرية، وتُجسد التزامًا حقيقيًا من الأردن بالعمل المناخي العالمي واستدامة المحيطات، مؤكدًا أن ما يميز العقبة هو قدرتها على الجمع بين البحث العلمي والتقنيات المتقدمة والمعرفة المجتمعية في نموذج متكامل يمكن تعميمه عالميًا.
وذكر، بأن التحدي الأكبر اليوم ليس فقط تطوير الحلول، بل توطينها، وتكييفها، ونقلها بطريقة عادلة إلى الدول النامية، ولدينا فرصة استثنائية لأن تكون العقبة منصة إقليمية وعالمية لتطوير تقنيات استعادة الشعاب المرجانية، ليس فقط من خلال الطباعة ثلاثية الأبعاد أو التربية المرجانية، بل من خلال بناء شراكات حقيقية تضع الإنسان والبيئة في صُلب المعادلة.
وتابع كما أن خصوصية الشعاب المرجانية في خليج العقبة، من حيث مقاومتها الفريدة للحرارة، تعزز من أهمية هذا المشروع كمختبر عالمي حي لتجربة حلول التكيف مع التغير المناخي.
وأضاف شوشان، أن ما نحتاجه اليوم هو إرادة سياسية متواصلة، ودعم تمويلي ذكي، وشراكات منفتحة على جميع الفاعلين، لأن استدامة المحيطات مسؤولية جماعية، والعقبة تقدم للعالم درسًا مهمًا في "كيف يمكن لدولة صغيرة أن تصنع فرقًا كبيرًا."