أكد رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز أن العلاقة بين ديوان المحاسبة ومجلسي الأعيان والنواب تعتبر علاقة تكاملية ومحورية تتمثل بالدور الرقابي الذي يقوم به الديوان في ممارسة أعماله وفق الصلاحيات المنصوص عليها قانونياً ودستورياً، ولذلك فهو مساند للمجلسين في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية والمؤسسات التابعة لها، وخاصة المتعلقة بحماية المال العام.
وأضاف الفايز خلال إفتتاحه الندوة السنوية الثالثة حول "إستقلالية الأجهزة العليا للرقابة" في المنطقة العربية، والذي نظمه ديوان المحاسبة بالتعاون مع المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية العامة والمحاسبة (الأنتوساي)، أن ديوان المحاسبة يقوم بعرض نتائج اعماله الرقابية على مجلس الأمة (مجلسي الأعيان والنواب) وذلك من خلال التقارير الشهرية والسنوية التي يعدها بإعتبار مجلس الأمة هو صاحب الإختصاص الأصيل بأعمال مراقبة أعمال السلطة التنفيذية ومساءلتها عن نتائج اعمالها، موضحا ان هذه التقارير يناقشها المجلسان من قبل اللجان المختصة ويتم إتخاذ القرارات المناسبة حولها وفق الأطر الدستورية والمهام الرقابية المناطة بالمجلسين.
وبين أن مجلس الأعيان يجد بأن مخرجات أعمال الرقابة لديوان المحاسبة تشكل قاعدة أساسية للمجلس في ممارسة دوره الرقابي على المال العام والمخالفات التي ترتكب من خلال توجيه الأسئلة والإستجوابات وغيرهما من وسائل الرقابة البرلمانية إلى الجهات التنفيذية المسؤولة.
وأضاف الفايز، أن دور الأجهزة الرقابية يعد حجر الزاوية في ضمان نزاهة أعمال مختلف الجهات الخاضعة لرقابتها كما تتنوع إختصاصاتها لكنها تتشارك في هدف أساسي يتمثل بمراقبة الأداء المالي والاداري للجهات الخاضعة لرقابتها والوقوف على مدى إمتثالها وإلتزامها بالقوانين والانظمة ولهذا فهي تمثل العمود الفقري للحوكمة الرشيدة لضمان الإلتزام بالقوانين والمعايير الأخلاقية والإدارية.
وأشار إلى أن الأجهزة الرقابية تلعب أدواراً متعددة لتحقيق أهدافها، من أبرزها التحقق من إلتزام الجهات المختلفة بالتشريعات سواء كانت مالية أو إدارية أو قانونية، كما تعمل على تعزيز الشفافية والمساءلة من خلال التقارير الدورية التي تصدرها والتحقيقات التي تجريها بالإضافة إلى إسهامها في كشف أي تجاوزات ما يعزز ثقة المواطنين بأداء الجهات المعنية برقابتها، إضافة إلى أنها تعد خط الدفاع الأول ضد الفساد المالي والإداري وتحسين إدارة الموارد ورفع كفاءة الأداء المؤسسي وحماية حقوق الأفراد من خلال مراقبة التجاوزات التي قد تؤثر على حقوق المواطنين مثل سوء إستخدام السلطة أو التمييز.
وبين أن الأجهزة الرقابية تسهم في دعم التنمية الإقتصادية وجذب الإستثمار فهي تساعد على إيجاد بيئة مواتية للإستثمار من خلال ضمان الشفافية والعدالة والنزاهة في طرح العطاءات ومنح الرخص الإستثمارية بكل نزاهة وشفافية من خلال وجود رقابة صارمة تحد من الممارسات غير القانونية حيث يدرك المخالفون بأن ممارساتهم غير الأخلاقية والقانونية ستخضع للتدقيق.
وبين أن هناك العديد من التحديات التي تواجه الأجهزة الرقابية قد تضعف فعاليتها ودورها منها التدخلات السياسية أو التنفيذية بعملها ما يحد من قدرتها على إتخاذ قرارات حيادية، والنقص في الموارد المالية والبشرية المؤهلة، والبيروقراطية، بالإضافة إلى التحديات التكنولوجية في ظل تزايد الجرائم الإلكترونية والإحتيال الرقمي حيث تحتاج الأجهزة الرقابية إلى تطوير قدراتها التقنية لمواكبة هذه التحديات.
وأوضح أنه في عالم يتسارع فيه التحول الرقمي وتتزايد تعقيدات التحديات الإقتصادية والإجتماعية، يصبح تعزيز دور الأجهزة الرقابية أولوية إستراتيجية، ونحن كسلطة تشريعية علينا العمل على تعزيز فعالية الأجهزة الرقابية لضمان تحقيقها الأهداف المنوطة بها من خلال تعزيز إستقلاليتها بتشريعات قانونية صارمة تمنع التدخل في عملها أو التجاوز على صلاحياتها.
وأكد الفايز أن الأجهزة الرقابية تعتبر عاملاً أساسياً في الحد من التجاوزات والمخالفات، مشيراً إلى أن دورها يمتد إلى بناء ثقافة المساءلة وتعزيز الثقة بين المواطن والدولة، ونجاحها يعتمد على مدى إستقلاليتها وكفاءتها وقدرتها التكيف مع التحديات المتجددة.
ودعا إلى تعزيز علاقاتكم المشتركة، وتبادل الخبرات والمعرفة للنهوض بدور الأجهزة الرقابية، وتمكينها من القيام بعملها بكفاءة عالية، لنجعل من هذه الأجهزة درعاً لحماية المواطن وسيفاً لمحاربة الفساد المالي والإداري، وجسراً لتحقيق العدالة والتنمية.
من جهته أكد رئيس ديوان المحاسبة الدكتور راضي الحمادين أن إنعقاد هذا الملتقى يأتي في مرحلة مهمة تتطلب نظرة جادة لمستقبل أجهزة الرقابة العليا وتمكنيها من أداء واجباتها في حماية المال العام، ورفع مستوى الخدمات المقدمة لدافي الضرائب وترسيخ الثقة بين المواطن ومؤسسات.
وأوضح أن إستقلالية الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة ليست ترفاً تنظيمياً، وليست بنداً شكلياً في نصوص التشريعات، بل هي ركيزة أساسية من ركائز الديمقراطية الرشيدة، وضمانة حقيقية لشفافية إدارة الموارد العامة، ومكافحة الفساد، وتعزيز المساءلة على كافة المستويات، مبيناً أن الإطار القانوني هو الأساس الذي تقوم عليه الإستقلالية، ولكن التجارب الدولية تؤكد أن التشريعات وحدها لا تكفي إذا لم تترافق مع ضمانات غير رسمية تحمي هذه الإستقلالية كالثقافة المؤسسية السائدة داخل الجهاز الرقابي نفسه، والضغوط السياسية التي قد لا تكون مكتوبة ولكنها حاضرة في السياقات العامة لعمل المؤسسات، إضافة الى دور الإعلام والرأي العام الذي يشكل في كثير من الأحيان رقيباً غير مباشر على نزاهة وإستقلال الأجهزة، وكذلك العلاقات الشخصية والمصالح المتقاطعة التي قد تؤثر سلبًا على إستقلالية إتخاذ القرار داخل الأجهزة.
وبين الحمادين أن ديوان المحاسبة الأردني خطا شوطاً كبيراً في تعزيز إستقلاليته وتطوير عمله من خلال تعديل التشريعات الناظمة وتوفير الموارد التي تساعده على أداء واجباته الرقابية على أكمل وجه، موضحاً أنه وتنفيذاً للتوجه الإصلاحي الذي يقوده جلالة الملك فقد اطلق الديوان مؤخراً خطتة الإستراتيجية للأعوام (2024- 2027) والتي تتضمن 19 محوراً تركز على تطوير عمل الديوان وتعزيز ممارساته المستقلة.
ورحب بمهمة تقييم الإستقلالية التي سينفذها فريق من البنك الدولي وبالتعادل مع مبادرة تنمية "الإنتوساي" ومنظمة التعاون الإقتصادي و التنمية ضمن مشروع دولي هذا العام، كما سيقوم الديوان بمهمة تقييم أداء شاملة بإستخدام إطار تقييم الأداء لتشمل الممارسات الإستقلالية، علاوة على تنفيذ مهمة تدقيق النظير، العام القادم ولأول مرة في تاريخ المملكة.
وأكد الحمادين أن ديوان المحاسبة لم يكتف بدوره التقليدي كجهة رقابية بل بات اليوم شريكاً رئيسياً في عملية إصلاح الإدارة العامة وتعزيز المساءلة وزيادة ثقة المواطن في مؤسسات الدولة.
نائب المدير العام لمبادرة "تنمية الإنتوساي" اولى هويم، أكد أن إستقلال الأجهزة الرقابية شرط أساسي لنجاح أي جهاز أعلى للرقابة المالية والمحاسبة في أداء مهامه بفعالية ومع ذلك، تشير الأدلة إلى أن إستقلالية الأجهزة العليا للرقابة، كما حددتها مبادئ إعلاني "ليما ومكسيكو" التابعين لمنظمة "الإنتوساي".
وبين أن إستقلالية الأجهزة العليا للرقابة أصبحت من المجالات ذات الأولوية لتعاون مبادرة الإنتوساي للتنمية والمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة خلال السنوات القليلة الماضية، مؤكداً أهمية الملتقى كونه يشكل فرصة لتبادل الخبرات وإثارة النقاشات العميقة حول الموضوع.
وبين أن الفهم الفعال ومعالجة الفجوة بين أحكام الإستقلال "القانوني" ومستويات الإستقلال "الفعلية" التي تشهدها الأجهزة العليا للرقابة يتطلبان تبني منظور مختلف يتناول مجموعة العوامل المؤثرة في كيفية تطبيق مختلف جوانب الإطار القانوني للأجهزة العليا للرقابة كما يستلزم دراسة كيفية تأثير الإتفاقيات الضمنية، والمعايير غير المكتوبة، وأنظمة الحوافز، والتوقعات، والأنماط السلوكية، إيجابًا أو سلبًا، على درجة إستقلالية الجهاز.
نائب الأمين العام للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة "الأرابوساي" فضيلة القرقوري، بينت أن مسألة إستقلالية الأجهزة العليا للرقابة تُعدّ إحدى الركائز الأساسية لضمان قيامها بدورها الرقابي بكل مهنية وفاعلية وموضوعية لإحداث الأثر المأمول من تدخلاتها بعيداً عن كل التأثيرات التي قد تُقوّض مهنيتها أو تضعف ثقة المواطن والأطراف ذات العلاقة في نتاج أعمالها.
وأشارت إلى أن المحافظة على الدورية السنوية لهذه الندوة بحضور رفيع المستوى دليل على حرص الجميع وإيمانهم بضرورة العمل بصفة متواصلة لتحقيق الإستقلالية المنشودة وضمان ديمومتها، موضحة أن من شأن ضمان جودة الأعمال وحسن متابعتها بالتوازي مع إيجاد السبل لتدعيم العلاقة بين الأجهزة والأطراف ذات العلاقة وتطوير آليات التواصل مع البرلمان والمجتمع المدني والإعلام المختص أن يبرز أهمية دور الأجهزة في التفعيل المساءلة وتحسين التصرف في المال العام وتحسين الخدمات العمومية وأن يساهم بالتالي في الحصول على المناصرة المنشودة وتدعيم منسوب الثقة المتبادلة من أجل أجهزة عليا قوية تشع على محيطها وتستجيب لتطلعات دافع الضريبة.
ويأتي إختيار المملكة لعقد هذه الندوة والتي من المتوقع ان يشارك بها نحو أربعين مسؤولاً من رؤساء أجهزة رقابية عربية وبرلمانيون من الدول العربية والاردن، نظراً للمكانة المتميزة التي يتمتع بها الأردن على الصعيد السياسي في المنطقة، إضافة للعلاقة الوطيدة بين ديوان المحاسبة ومنظمة الأنتوساي الدولية وذراعها التدريبي مبادرة تنمية الأنتوساي والتي سبق وأن أختارت المملكة لعقد العديد من اللقاءات التدريبية على المستوى العربي.
ومن المتوقع أن يناقش المنتدون سبل تعزيز الحوار وتبادل الأفكار بهدف دعم إستقلالية الأجهزة الرقابية العليا خاصة للعلاقة الوثيقة بين هذه الأجهزة مع البرلمانات المنتخبة، حيث من المتوقع أن تشهد جلسات الندوة مناقشات من المشاركين والمختصين بالشأن الرقابي والبرلماني لإيجاد وبلورة أفكار لدعم إستقلالية وتمكين أجهزة الرقابة في أداء عملها زيادة على ما تم تقديمه في الأطر التشريعية والمواثيق والمعايير الدولية وبما يحقق رضا المواطنين.