في إحدى ليالي السجن المظلمة، استدعى السـ.ـجان الأستاذ ميشيل كيلو من زنزانته ليأخذه إلى غرفة صغيرة. هناك، وجد طفلاً صغيراً لا يتجاوز عمره الخمس سنوات، يجلس على الأرض بجانب والدته، عيونه مليئة بالبراءة، لكن قلبه كان مليئاً بالخوف.
قال السـ.ـجان: "تحدث مع الطفل، فهو بحاجة إلى من يخفف عنه". دخل الأستاذ ميشيل كيلو الغرفة وقال للأم، محاولاً تهدئتها: "لا تخافي، أنا سجـ.ـين مثلك"، ثم قرر أن يحكي للطفل قصة صغيرة عسى أن تلامس قلبه.
بدأ ميشيل حديثه قائلاً: "هنالك عصفور صغير"، ففاجأه الطفل بسؤال بريء: "شو يعني عصفور؟". هز ميشيل رأسه في محاولة لتفسير ما لا يمكن وصفه بالكلمات، ثم قال: "كان يقف على شجرة"، ليفاجئه الطفل مرة أخرى بسؤال: "شو يعني شجرة؟".
في تلك اللحظة، انفجر ميشيل كيلو بالبكاء، إذ شعر بثقل المعاناة التي يعاني منها الشعب السوري في ظل الأوضاع المأساوية. لم يكن الطفل يعرف معنى العصفور أو الشجرة، لكنه كان يعيش في عالم لا يعرف سوى القيود والجدران، عالم أبعد من أن يدركه طفل في عمره.
صرخ ميشيل في وجه السـ.ـجان قائلاً: "أخرجني من هنا... أرجوك، أخرجني". لكنه، رغم مرارته، أدرك شيئاً مهماً: هذا الطفل سيكبر يوماً ما في عالم مختلف، حيث سيكون قادراً على أن يرى العصافير تطير بحرية، وسيشاهد الأشجار تنمو في سماء سورية لا تخضع لقيد أو حدود. لكن في هذا الوقت، يبدو أن كل شيء أصبح مجرد حلم بعيد.
سوريا، التي كانت يوماً ما أرض الحرية والعدالة، أصبحت سجناً كبيراً لشعبها. الأسئلة البريئة التي يطرحها الأطفال في هذه اللحظات تكشف عن حجم الألم الذي يعيشه هؤلاء الذين سلبت منهم أبسط حقوقهم. لكن، كما العصافير التي تطير بعيداً، فإن الأمل سيبقى حياً في قلوب السوريين، وسيظل حلم الحرية يرافقهم حتى وإن كانت السماء مظلمة.