حقق الذهب مكاسب بأكثر من 6% خلال النصف الأول من عام 2023، حيث أغلق تعاملات يونيو أعلى المستوى 1915$ للأونصة. من زاوية العائد على الاستثمار، تفوق الذهب على جميع فئات الأصول الرئيسية باستثناء أسواق الأسهم في الاقتصادات المتقدمة.
لم تقتصر فوائد اقتناء المعدن الأصفر خلال الأشهر الستة الماضية على تحقيق عوائد إيجابية للمستثمر، بل ساعدته أيضًا على تخفيف التقلبات السعرية في الوقت الذي ضربت فيه نداءات الهامش العديد من حسابات التداول خلال الأزمات التي شهدها النصف الأول، ليس أقلها أثناء أزمة إفلاس البنوك في مارس.
بشكل عام، يُعزى الأداء المتوازن للذهب إلى استقرار الدولار الأمريكي والطلب المادي القوي، خصوصًا من البنوك المركزية، بالإضافة إلى النفور النسبي من المخاطرة. يبدو سعر اونصه الذهب اليوم في مفترق طرق وسنحاول في السطور القادمة سرد السيناريوهات المحتملة لاتجاهات المعدن الأصفر.
dir="rtl" style="line-height: 1.38; margin-top: 2pt; margin-bottom: 0pt;">اقتراب نهاية دورة التشديد النقدي
برغم حالة الضبابية التي تحيط بمآل السياسات النقدية للبنوك المركزية الكبرى، إلا أن هناك ما يشبه الإجماع على بلوغ دورة التشديد النقدي التي بدأت العام الماضي نهايتها. بحسب أسواق العقود الآجلة، من المتوقع أن يرفع الفيدرالي الفائدة في اجتماع يوليو للمرة الأخيرة، كما ترجح أغلب التوقعات أن يرفع البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا أسعار الفائدة بحد أقصى 50 نقطة أساس و100 نقطة أساس، على التوالي.
وبرغم أن كثير من المحللين يرى أن انتقال البنوك المركزية من حالة التشديد إلى مرحلة التيسير النقدي سوف يأخذ بعض الوقت، إلا أنها ستظل أفضل مما كان عليه الحال في بداية العام حين كانت توقعات رفع الفائدة على أشُدها. وفق هذا السيناريو، فإن بقاء أسعار الفائدة مرتفعة حتى نهاية العام لن يمنع المعدن النفيس من الكسر أعلى المستوى النفسي 2,000$ للأوقية، وكذلك اختبار القمة التاريخية بالقرب من 2,080$ للأونصة.
من زاوية الطلب المادي، برغم أن التباطؤ الاقتصادي في الغرب قد يكون له تأثير سلبي على إنفاق المستهلكين على الذهب، إلا أن التوقعات باستقرار أداء الاقتصاد الهندي وإجراءات التحفيز الاقتصادي التي تنوي الصين اتخاذها توفر آفاقًا إيجابية للطلب المحلي في أكبر بلدين مستهلكين للذهب في العالم.
dir="rtl" style="line-height: 1.38; margin-top: 2pt; margin-bottom: 0pt;">العائد على الذهب
برغم الإشارات المتزايدة على تباطؤ معدلات التضخم، إلا أن التذبذبات التي يشهدها سوق الأسهم، وكذلك نفور المخاطرة المتوقع بسبب الحرب الروسية الأوكرانية ومخاوف الركود الاقتصادي العالمي، ستُبقي على استراتيجيات التحوط، وفي القلب منها الذهب، قائمة.
في هذا السياق، فإن استقرار أسعار الفائدة أو حتى انخفاضها بشكل طفيف، بالتوازي مع ضعف الدولار الأمريكي، سيساعد على تقليل تكلفة الفرصة البديلة لاقتناء الذهب الذي لا يُغل عائدًا دوريًا لحامليه. يبدو ذلك متسقًا مع دورات الاحتفاظ السابقة، والتي استمرت فترات تتراوح بين 6 إلى 12 شهر. خلال الفترة المشار إليها، حقق الذهب عائدًا شهريًا بمتوسط 0.7%، وهو ما يعادل عائد سنوي بـ 8.4%.
تتفوق هذه الأرباح على متوسط العائد السنوي التاريخي للذهب، كما لا ننسى أن سعر المعدن الثمين أكثر تأثرًا بعوائد السندات بأكثر من أسعار الفائدة الفعلية، حيث أن الفائدة التي تدفعها أسواق الدخل الثابت تعتمد على التوقعات المستقبلية للسياسة النقدية واحتمالات الركود الاقتصادي.
من المؤشرات التاريخية المفيدة في هذا الصدد هو مراقبة مؤشر ISM لمديري المشتريات الذي يصدره معهد إدارة التوريدات في الولايات المتحدة، ويساعد كثيرًا في التنبؤ بما سيؤول إليه النشاط الاقتصادي في ظل الأوضاع الحالية والتوقعات المستقبلية. في هذا السياق، يميل الذهب إلى التفوق على أسواق الأسهم عندما يظل مؤشر ISM التصنيعي أسفل المستوى النفسي 50، والذي يمثل الحد الفاصل بين توقعات النمو والانكماش في المستقبل.
ويزداد تفوق الذهب في هذا الصدد إذا انخفض المؤشر الرائد أسفل المستوى 45. على العكس من ذلك، تكون عوائد الأسهم أفضل إذا أظهرت قراءة المؤشر توقعات متفائلة لمديري المشتريات تجاه الأسعار والطلبيات المستقبلية، وهو ما ينعكس في استقرار القراءة أعلى المستوى 50.
dir="rtl" style="line-height: 1.38; margin-top: 2pt; margin-bottom: 0pt;">التوقعات السلبية للذهب
أيضًا في ظل السيناريو المشار إليه، والذي يفترض احتفاظ البنوك المركزية بأسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة لفترة طويلة، تزداد المخاطر المالية بسبب تشديد شروط الائتمان. تؤدي هذه الفترات تاريخيًا إلى زيادة حالات الإفلاس وارتفاع كبير في مستويات التذبذب الضمني، ما ينعكس سلبًا على شهية المستثمرين تجاه الأصول المرتبطة بالمخاطرة وتفضيل الأصول السائلة والتحوطية مثل الذهب.
على الجانب الآخر، إذا صدقت التوقعات بشأن سيناريو ’الهبوط السلس‘ حيث ينجح الاقتصاد في تجنب الركود رغم بقاء السياسة النقدية متشددة، فهذا سيخلق رياحًا معاكسة للذهب ويؤدي إلى تسييل جزء لا بأس به من مخصصات التحوط في المحافظ الاستثمارية. كان ذلك واضحًا خلال النصف الأول في الفترات التي حافظت فيها مؤشرات الاقتصاد الكلي في الولايات المتحدة على أدائها القوي، وهو ما انعكس في تقارير الوظائف ومبيعات التجزئة، حيث شهدنا آنذاك ارتفاع ملحوظ في التدفقات الصادرة من صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب. ومن المتوقع أن تتزايد هذه التدفقات إذا ما تراجع سعر أونصة الذهب إلى ما دون 1800$، والذي يمثل متوسط سعر الاحتفاظ في عام 2022.
dir="rtl" style="line-height: 1.38; margin-top: 2pt; margin-bottom: 0pt;">خاتمة
تعتمد توقعات الذهب في النصف الثاني على نجاح الاقتصاد الأمريكي والعالمي في تجنب سيناريوهات الركود التي بدأت إشاراتها تلوح في الأفق. في ظل هذا السيناريو، قد نشهد أداءً محايدًا لسعر الذهب في أفضل الأحوال، حيث سيجد دعمًا من ضعف الدولار الأمريكي وانخفاض أسعار الفائدة وعوائد السندات. ولكن سيقابلها على الجانب الآخر تحسن شهية المخاطرة تجاه أسواق الأسهم وتضاؤل الضغوط الإيجابية من انخفاض معدلات التضخم.
هذا بالنسبة لسيناريو الركود المعتدل، أما إذا شهدنا تدهورًا سريعًا وأكثر وضوحًا في مؤشرات الاقتصاد الكلي فإن نفور المخاطرة سيطغي على الإجراءات التيسيرية التي ستتخذها البنوك المركزية بسبب زيادة مستويات التذبذب والنفور من المخاطرة. ولكن على أية حال، نعتقد أن حالة عدم اليقين الحالية، والتي تُغذيها جزئيًا تضارب البيانات الاقتصادية وتباين توقعات التضخم بين الولايات المتحدة وأوروبا، ستجعل من الصعب أن يتخلى المستثمرين عن استراتيجياتهم الدفاعية والتحوط، والتي تعتمد على الذهب كمكون رئيسي في المحفظة.