ولان الاثار المترتبة على الفساد كبيرة وعميقة كونها تضعف من اركان الدولة ومؤسساتها، لذا كان العمل على الحد من مظاهر تاثيرها واجب وطني ومسؤولية اخلاقية هذا لان اثار تفشي هذا المرض المجتمعي سيحمل آفات سلبية منها اللامبالاة المجتمعية واخرى تندرج في ظهور التعصب والتطرف في الاراء وانتشار معدلات الجريمة وهي ردة فعل في الغالب يكون مردها لانهيار القيم وعدم تكافؤ الفرص، كما يؤثر كذلك الفساد في التنمية الاقتصادية الى الفشل في جذب الاستثمار وهروب راس المال المحلي، لان الفساد يتعارض مع وجود بيئة استثمارية حرة التي بدورها تشكل شرطا اساسيا لجذب الاستثمارات وتوطينها، الامر الذي بدوره ينعكس سالبا على توفير فرص العمل وينشر الفقر والبطالة ويقوم بهدر الموارد وهجرة الكفاءات الافتصادية وحتى الكوادر المهنية.
ولان الفساد يخلق اجواء تصادم وتعارض في المصالح بين المجموعات المجتمعية المختلفة، ويخلق جوا من التعارض السياسي وبما يستشري مناخ شراء الولاءات، فانه يسيء لسمعة النظام السياسي وعلاقات الانظمة مع الدولة المانحة التي بدورها تقوم على وضع شروط تمس بسيادة الدولة وتضعف من مكانتها السياسية ودوائر تاثيرها في المحافل الاقليمية والدولية، وهو الذي يعتبر المدخل الرئيس في دخول الاطر الضاغطة ومرحلة تسييس الفساد باعتباره مماسك على الانظمة وقياداتها، وهو ما يشكل عنوانا عريضا يجب مقاومته والحد من اسقاطاته ليس من اجل العوامل الداخلية فحسب بل من اجل مكانة الوطن وصون استقلاله، لذا يعتبر الفساد احد اهم المنافذ الرئيسية التي تدخل منها الدول الضاغطة على المجتمعات النامية فتقوم بفرض ضوابطها وسياساتها ليس فقط في الجوانب التنموية بل ايضا في القضايا الرئيسية والمركزية، فان العمل على مكافحة الفساد ومحاربته من خلال عمل اصلاحي ممنهج يشكل طوق نجاة فاعلا بحيث يحفظ مكانة الدولة ويصون تماسك المجتمع في العمل والتنمية.
وحتى لا تبقى المجتمعات النامية تبحث عن محامي يعرف القاضي ولا تبحث عن محامي يعرف القانون، فيجب ان يمتلك القانون السلطة ولا تكون السلطة بيد القاضي، الذي ان امتلكها فانه يحكم من زواية تكييف النصوص ولا يحكم بواقع القانون، وهي من ابرز المعضلات التي تواجه عملية تحصين القضاء واستقلاليته، بما يعزز الثقة بالقانون وسيادته وبالقضاء باعتباره بيت الفصل.
واحسب ان هنالك روادع ومصدات يمكن استثمارها في هذا الصدد من اجل تعزيز مضمون الثقة المستهدف، منها ما يندرج في اطار المؤسسات التشريعية والرقابية التي يشكل مجلس الامة عنوانها ومنها ما ياتي من خلال تعزيز حالة الرقابة الشعبية من خلال وسائل الاعلام ومؤسسات المجتمع المدني كما الاحزاب والمؤسسات البحثية، بما يحفظ لبيت القرار امنه ويصونه من اية عوامل ضاغطة قد تؤثر على سيادته واستقلاله، اما الاتجاه الاخر فتكونه الروافع الاقليمية والدولية من خلال علاقات التشبيك في اطار تحصين الحماية الوطنية، وهذا يعتبر من اهم العناصر التي يمكن البناء عليها في تحصين بيت القرار وتعزيز مناخات الثقة.
وفي الاتجاه المتمم لذلك فان العمل على استقطاب شركات عالمية كبرى تعمل وتستثمر في القطاعات التنموية والمختلفة تعتبر خير وسيلة في تعزيز عامل الثقة، فالشركات الكبيرة لا تاتي الا للمجتمعات الواعدة والامنة والمستقرة، كما ان وجودها يعني قوة ليست استثمارية فحسب بل يشكل قوة سياسية تقوم على تحصين بيت القرار والدفاع عنه في كل عناوين تاثيرها ومحافل وجودها وذلك لمقدار نفوذها الاستثماري العالمي.
فان وجودها في الدولة يفرض عليها الدفاع عنها بسبب مصالحها ومكانتها الاستثمارية، فالشركات العالمية تعتبر بوابة استثمارية تخدم عجلة الاقتصاد كما هي بوابة سياسية تنمي عوامل الثقة للدولة كما وللمنظومة السياسية والاجتماعية التي تقف عليها، وهذا من شانه رفع منسوب الثقة بين مثلث التكوين المجتمعي بين الفرد والنظام والمجتمع، فان الاصلاح تكونه المنظومة التي ترتقي كلما تعزز فيها مؤشرات الاستثمار التي بدورها تعزز عامل بناء الثقة المستهدف، الذي يعتبر بيت القصيد وعنوانه.