من جزيرة صغيرة يملؤها البعوض الى اقوى اقتصادات العالم، ومن مكان تم لفظه من ماليزيا الى المكان الاميز في العالم، ومن شعب لا يجيد القراءة والكتابة وتختلط فيه الاديان والاعراق وتتنوع فيه اللغات الى مجتمع مدني حضاري يمتلك اقوى جواز سفر في العالم، تلك هي سنغافورة التي تعتبر قصة نجاح تستحق الوقوف عندها، ومسيرة إدارية تستحق الدراسة، وسيرة سياسية تمكن قائدها لي كوان يو من تقديم نموذج فريد عبر ايدولوجية الاقتصاد الانتاجي والتي غدت نموذجا رائدا في علم الانجاز والفكر المنهجي شكلت اضافة فكرية واضافة معرفية لحركة النهوض الانساني. لذا اعتبرت سنغافورة قصة قيادة ارادت علامة التميز فنالتها.
لقد اهتمت سنغافورة في مسالة بناء السفن وصيانتها واخذت تمتلك اكبر موانىء نفطية وبتروكيماوية في العالم على الرغم من انها لا تمتلك اية موارد طبيعية، ما تمتلكه فقط هي منظومة استثمارية صممتها وقامت من خلالها على جذب الاستثمار فاستقطبت كبريات الشركات العالمة بهذا المجال وحققت من خلال ذلك عوائد انعكست على حركة التعليم والسكن، فاصبح كل الشعب السنغافوري متعلما، كما كل الشعب السنغافوري يمتلك سكنا، والمرافق العامة في خارج البيت افضل من داخله، ولديها جامعة سنغافورة هي من بين افضل الجامعات في العالم.
ولان سنغافورة تعتبر احدى المحطات المركزية في دورات القيادة والتميز التي كنت قد نلتها، كونها نموذجا للانجاز وشرعيته، فان العمل على دراسة الحالة الذاتية المحلية دون النظر للحالة الموضوعية في نموذج سنغافورة للاقتصاد الانتاجي لن تحقق معامل الفائدة الذي نحتاجه في الاستخلاص، الا اذا ذهبنا ابعد بتعمق تجاه الروافع الداعمة، حتي لا يبقى الاستخلاص يدور بفلك نتائج ذاتية لم تحقق من معادلة الانجاز هذه اكثر من عشرها، وهذا ما قالة احد السياسيين المخضرمين تامي الغورا هنالك عندما كنا نتحدث عن اسباب استقالة لي كوان يو بعد ثلاثين سنة من الحكم، هل كان ذلك طوعا ام انتهاء دور.
هذا لان سنغافورة كان قد اتخذ فيها قرار من احد اهم اركان عمق الدولة العالمي للنهوض بها الى هذه المكانة كما كانت هون كونج لذا احتوى فريق عمل لي كوان يو، على افضل واضعي الاستراتيجيات وتخطيط في العالم، فان السر لم يكن لا مع الرئيس لي كوان يو ولا مع الشعب السنغافوري بل كان في الخلطة التي ميزتها البطانة الصالحة والتي لم تكن في معظمها سنغافورية لكنها كانت تعمل من اجل سنغافورة، حتى نالت سنغافورة ما نالته من مكانة ونال الشعب السنغافوري درجة التميز في اعلى مستويات الدخل واعلى مستويات العيش اضافة الى ان الفرد السنغافوري باستطاعته الدخول الى الغالبية العظمى من دول العالم من دون فيزا، كل هذا واكثر تم انجازه في ثلاثين سنة فقط، وبعد ذلك قام لي كوان يو، بتقديم استقالته طوعا.
ان وجود خبراء مختصين وشركات قادرة على تقديم استراتيجية عمل ومنهاج خططي للدولة ومؤسساتها التنموية سيشكل عاملا مساعدا في ظل حالة الركود السائدة ويهيئ المجال امام ابواب استثمارية واعدة تسهم في التشغيل والتوظيف وتفتح الباب امام تطبيق الرؤية التنموية الشاملة وتجسيد رسالتها بما يشكل ذلك العنوان العريض للعلامة الفارقة الانتاجية والبوصلة المميزة للتنمية والاستثمار وهذا اضافة الى تحديد الخطوط العامة للمسارات الاستراتيجية الاستثمارية وهو ما سيقود بحيادية تامة الى توظيف الطاقات والموارد وفق سياسة تعاد معها الية تشكيل ضوابط العمل وسقوفها.