الأحد الماضي، 21/12/2025، عُقد اجتماع في وزارة البيئة ترأسه ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني بحضور رئيس الوزراء ، خُصِّص لمناقشة أحد ملفات الشأن الداخلي الأردني، الذي يستحق تسليط الضوء عليه إعلاميًا ، رسميًا و خاصًا، للتوقف و الحديث حوله دون المرور عنه مرور الكرام ، لما يحمل في طياته أهمية استراتيجية تتعلق بالنهوض بقطاعات مرتبطة بالواقع البيئي في الأردن، و تحسين مستوى الظروف المحيطة به، وتوفير بنية تحتية مؤهلة لرفع مستوى خدمات النظافة، وخفض معدلات التلوث الضار بمختلف أشكاله وتعدد مصادره.
ملف يعد بوابة تفتح آفق جديدة نحو تطوير و نمو مجالات عديدة نوردها داخل المقال .
الأخبار التي رشحت عن الاجتماع الحكومي الذي ترأسه سمو ولي العهد كانت إيجابية، إذ ناقش ملفا ، يصوره البعض ثانويا ، و يصنفه آخرين أن ليس ضمن الملفات ذات الأولوية، في حين أن النظرة بعيدة المدى ذات الرؤية الاستراتيجية تؤكد أنه احد الملفات الأردنية الداخلية بالغة الأهمية ، لما له من أبعاد وتأثيرات مباشرة وغير مباشرة تمسّ حياة الأردنيين في جوانبها السياسية والصحية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
وتكمن أهمية الملف البيئي، الذي يحظى اليوم باهتمام ورعاية ملكية، في كونه ملفًا متعدد الأبعاد والتأثيرات، يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو الآتي:
البعد السياسي:
في هذا السياق، لتوضيح هذا البند ، يحضرني اقتباس للصحفي البريطاني روبرت فيسك من مقاله الشهير بعنوان «لا تخلط بين الحكومة والوطن»، حيث يتساءل:
«أتعلمون لماذا بيوت العرب في غاية النظافة، بينما شوارعهم على النقيض من ذلك؟
السبب أن العرب يشعرون أنهم يملكون بيوتهم، لكنهم لا يشعرون أنهم يملكون أوطانهم».
ويتابع فيسك موضحًا أن السبب يعود إلى عاملين أساسيين:
الأول، الخلط بين مفهوم الوطن ومفهوم الحكومة، و اعتبارهما شيئًا و احدًا، في حين أن الحكومة إدارة سياسية مؤقتة، بينما الوطن هو التاريخ والجغرافيا والذاكرة والهوية،والتراب الذي ضمَّ عظام الأجداد، والشجر الذي شرب عرقهم، هو الفكر والكتب، والعادات والتقاليد..
أما الثاني، فيكمن في غياب ثقافة الملكية العامة، ما يجعل البعض يتعامل مع الفضاء العام وكأنه لا يعنيه.
هذا الاقتباس يوضح البعد السياسي للملف البيئي بوصفه مؤشرًا على مستوى الانتماء الوطني و مدى الالتزام بالمواطنة الفاعلة ، و ميزانًا لمدى شعور المواطن بمسؤوليته تجاه وطنه ومرافقه العامة ،
البعد الصحي:
لطالما ارتبط تاريخ الدول والأمم، صحيًا و وبائيًا، بمستوى النظافة والصحة العامة فيها. فالتراجع البيئي وسوء إدارة النفايات كانا عبر التاريخ سببًا مباشرًا في تفشي وانتشار أوبئة فتاكة اجتاحت قارات بأكملها، و أودت بحياة الملايين من أبناء البشرية . ومن هنا، فإن تحسين الواقع البيئي يشكل ركيزة أساسية لحماية الصحة العامة والوقاية من المخاطر المستقبلية.
البعد الثقافي والاجتماعي:
إن وضع معايير وأنظمة صارمة تحكم جودة خدمات النظافة والصحة البيئية ينعكس إيجابًا على مستوى المظهر الحضاري الأخلاقي والثقافي للمجتمع، باعتباره مرآة لوعيه وسلوكه. كما يسهم ذلك في إعادة ضبط السلوك الاجتماعي، والحد من الأنماط الاستهلاكية العشوائية، ورفع مستوى الوعي بكيفية التعامل مع النفايات والمخلفات المختلفة، وإعادة الاستفادة منها، وهو ما يقودنا مباشرة إلى البعد الاقتصادي.
البعد الاقتصادي:
يحتاج الملف البيئي إلى دراسات جادة ومتابعة حثيثة، لما يضم بعدا اقتصاديا إنتاجيا وصناعيا و سياحيا ، قادر على أن يشكل أحد أركان الاقتصاد الأردني الواعدة، وأحد مفاتيح الحل لمشكلة البطالة و دعامة لتخسين ظروف آلاف الأسر الأردنية و صون كرامتها وضمان لقمة عيشها ، عبر التوسع في صناعات إعادة التدوير ومشتقاتها، مثل الصناعات الورقية و البلاستيكية و البتروكيماوية ، والأنسجة الصناعية، ومواد البناء، والأسمدة العضوية...الخ.
أما على صعيد السياحة، فلا شك أن تحسين الواقع البيئي سيشكل عامل جذب مهم، ويسهم في تنشيط هذا القطاع الذي يعاني من ارتفاع الكلف وضعف بعض المرافق الخدمية، لا سيما الصحية منها. وهنا تبرز مسؤولية الوزارات والهيئات المختصة في رفع كفاءة الخدمات، بما ينعكس إيجابًا على رفد الخزينة، ودعم القطاع السياحي الخاص، و العاملين فيه.
ختاما، هذا الملف اليوم في عهدة الحسين ولي العهد ، الذي عُرف بنهجه العملي وحرصه على متابعة خطط تطوير محاور الاقتصاد الوطني الأردني بمختلف قطاعاته، مع إدراكه لتحديات المرحلة وتعقيدات الواقع الإقليمي. ورغم الصعوبات، يبقى توظيف الإمكانات المتاحة ممكنا، وإنجاز المشاريع وقت الازمات ليس صعبا أو مستحيلا ، بل سبيلا لاختراق حالة الركود، والمضي قدمًا لإنجاز ما تبقى ، بهمة الأردنيين… همة صنعت الأردن ، الوطن المعجزة.