شهدت مدينة البترا خلال السنوات الأخيرة تحولاً جوهرياً في دور المجتمع المحلي، إذ انتقل من مجرد متلقٍ للخدمات التي تقدمها المؤسسات الرسمية إلى شريك فاعل في تقديمها والمساهمة في الترويج للمدينة الأردنية العريقة على المستوى العالمي.
وفي هذا السياق، قالت المرشدة السياحية برديس خالد، إن المواطن كان في السابق ينتظر من المؤسسات الحكومية أن تقوم بإصلاح الطرق أو تحسين الخدمات، أما اليوم فقد تغيرت الصورة النمطية للمجتمع المحلي، وأصبح أفراده يشاركون تلك المؤسسات في تقديم وتحسين الخدمات.
وأضافت: على الصعيد الشخصي، أشارك بتقديم الخدمات عبر إدارة جولات سياحية يومية واستقبال زوار من مختلف الجنسيات، حيث أشعر أنني لم أعد مجرد فرد في المدينة بل جزء من صناعة صورتها أمام العالم.
من جهته، أوضح طلعت الطويسي، صاحب أحد المطاعم السياحية، أن المطاعم باتت تشكل محطة رئيسية للزوار من مختلف أنحاء العالم، حيث يتم تقديم المأكولات التراثية المحلية إلى جانب تعريفهم بالثقافة البتراوية الأصيلة.
وأضاف أن المطعم لم يعد مجرد مكان لتناول الطعام، بل أصبح نافذة للتواصل الثقافي ومنصة للترويج للمدينة، فكل سائح يزور المطعم يغادر إلى بلده وهو يحمل انطباعاً أوسع عن مجتمع البترا وحضارته، مشيراً إلى أن هذا الدور ساعده على الانتقال من مجرد مستفيد من الخدمات الحكومية إلى مساهم حقيقي وفاعل في دعم السياحة وتعزيز مكانة المدينة الوردية.
وفي الإطار ذاته، أكد أستاذ التنمية السياحية الدكتور سامي الحسنات أن الشراكة القائمة بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المحلي في مدينة البترا تعد نموذجاً متكاملاً لإدارة الوجهات السياحية، فالمجتمع المحلي يقدم خبرته وتواصله المباشر مع الزوار ويؤدي دوراً ترويجياً وطنياً يعكس الصورة الحقيقية للأردن، في المقابل توفر الحكومة البنية التحتية والخدمات الأساسية، إلى جانب صياغة الأطر التشريعية التي تضمن تنظيم العمل السياحي بطريقة مستدامة، ما يحقق تكامل الجهود بين الجانبين من أجل حماية التراث وتعزيز مكانة البترا كرمز وطني وسياحي عالمي.
من جانبه، أشار الخبير الاقتصادي الدكتور زيد السعيدات إلى أن ما تشهده البترا اليوم من تنمية مجتمعية عبر مشاريع المطاعم و«المبيت الشعبي» والحرف اليدوية يسهم في توزيع العائد الاقتصادي على نطاق أوسع بين أبناء المنطقة بدلاً من اقتصار الفوائد على المستثمرين الخارجيين فقط.
وفي سياق متصل، تواصل سلطة إقليم البترا تنفيذ مجموعة من المشاريع التنموية والسياحية التي تهدف إلى تعزيز البنية التحتية وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للزوار، إلى جانب دعم المبادرات المجتمعية وتمكين أبناء المنطقة من الانخراط الفعّال في مختلف القطاعات السياحية.
وتسعى السلطة أيضاً، من خلال هذه الجهود المتكاملة، إلى تحقيق التنمية المستدامة وصون التراث الحضاري والحفاظ على مكانة البترا كواحدة من أهم وأبرز الوجهات السياحية على مستوى العالم.