قال رئيس الوزراء السابق الدكتور بشر الخصاونة إن الصراع السياسي في الشرق الأوسط لم يكن مفاجئا عندما انفجر يوم السابع من شهر تشرين الأول من العام 2023 ولم تكن تلك بدايته، بل هو امتداد لغياب خيار السلام عند الطرف الإسرائيلي، وإمعانه بالخروج على القانون الدولي، ووأد خيار حل الدولتين.
وأضاف خلال كلمة له في مؤتمر عوالم الصراع في الشرق الأوسط: المصائر والمآلات الذي تنظمه جامعة العلوم التطبيقية الخاصة ومركز إيلاف للدراسات والأبحاث على مدى يومين، إن الأردن والعرب والعالم متمسكون بحل الدولتين سبيلا لإنهاء التوتر في المنطقة والعيش بسلام.
وذكر الخصاونة الجميع بأن الأردن كان قد حذر مبكرا من من انسداد الآفاق، وقبيل أن تحل الحرب الأخيرة، وتقرع طبول حروب أخرى تولدت عنها.
وبين أن جلالة الملك عبد الله الثاني حذر في خطابه أواخر شهر أيلول من عام 2023 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، من انفجار الإقليم بسبب سياسة الاحتلال الإسرائيلي التي تعمقت عنفا في ذٰلك العام، بممارستها الأبشع من صور التضييق والاستيطان والتجويع على شعبنا في فلسطين، وبعد وقت قصير حدث السابع من أكتوبر.
وأكد أنه ومنذ ذٰلك الوقت، عمل الأردن، قيادة وشعبا ومؤسسات، ومعه الأشقاء العرب، بكل دأب وسبق، لاستعادة خيار السلام ووقف الجرائم البشعة، والانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي والإنساني، وميثاق الأمم المتحدة، وكل القيم الإنسانية، بالتدمير الممنهج لمعالم الحياة في غزة خصوصا، والضفة الغربية، والذي لا يعني سوى الإمعان بالتمرد الإسرائيلي على القانون الدولي وسيادة الدول في الشرق الأوسط، والانقلاب على النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945.
وأضاف إننا نعيش اليوم الواقع السياسي للمنطقة، والتنافس الدولي، وآفاق النفوذ، وأزمات الدولة الوطنية، وتحديات الإعلام في لحظة تعد فارقة، ومليئة بالتغييرات والمفاجآت والسلوك المارق للحكومة الإسرائيلية، والصمت العالمي على تمردها وخروجها على النظام الدولي، ومنحها الحصانة دون غيرها للإفلات من العقاب والمساءلة.
وأكد أنه لم يمر على الشرق الأوسط لحظة عبر مئة عام وأزيد، أكثر من اللحظة الراهنة التي تشهد تمرد إسرائيل على الشرعية الدولية، وإجهاضها لخيار حل الدولتين، واعتدائها على سيادة الدول، والإمعان في الاستيطان، وفرض واقع وظروف تحاول دفع أبناء الشعب الفلسطيني قسرا للهجرة من بلادهم.
وأشار إلى أن الأردن يقول على الدوام "إن هذا السلوك يقوض خيار السلام، ولن يولد إلا المزيد من العنف والتطرف، وتهديد الأمن والسلم ليس فقط الإقليمي، بل الدولي".
وبين أنه رغم كل ما في هذا الواقع من قتامة ودمار ووحشية، إلا أن هناك آفاقا عالمية تؤكد أن خيار الحرية وتقرير المصير للشعب الفلسطيني يزداد الإيمان به، وبحقه في دولته، وليس أدل على ذٰلك من "إعلان نيويورك" الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي، بأغلبية ساحقة بتصويت 142 دولة على ضرورة تحديد "خطوات ملموسة ومحددة زمنيا ولا رجعة فيها" نحو حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين.
ولفت إلى أن حملة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية ترتفع وتيرتها، ويستمر الموقف العربي أكثر وضوحا وصلابة ورفضا، إن غيرت إسرائيل الواقع في الضفة، وإن استمرت في خلق الفوضى، والسلوك العدواني على سيادة الدول العربية بما فيه عدوانها السافر والغادر على دولة قطر الشقيقة قبل أيام، والذي قابله موقف عربي متماسك وموحد، مفاده أن لا قبول لإسرائيل في المنطقة في ظل هذا السلوك العدواني، وها هي القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة التي تنعقد اليوم لتأتي تعبيرا عن هذا الموقف.
وأشار إلى أن علينا أن نتذكر ونذكر بالموقف والسعي النبيل والشريف أردنيا في سبيل قضية فلسطين، والتي هي حالة فريدة أردنيا وفلسطينيا؛ نظرا لعوامل التاريخ المشترك والتضحيات الأردنية والوصاية الهاشمية والإرث والعلاقات الأخوية النابعة من بوتقة انصهر فيها الدم الفلسطيني مع الأردني في أزمنة الصراع السياسي والحرب والسلام، وهو موقف وطني قومي أخلاقي متأصل أردنيا وعربيا.
واكد أن الموقف والدور الكبير للأردن في تخفيف معاناة الأهل في غزة والضفة الغربية، لم يسلم من محاولات التشويه من قبل بعض أصحاب المنابر التي لا ترى إلا خطاباتها وصورتها الكارهة لأي فعل عربي نبيل ودور أردني أصيل.
ونوه إلى أن الأردن، وبفعل الموقف المشرف الواضح للقيادة الهاشمية، كان وما زال يتنفس مع الأشقاء في فلسطين الوجع والألم، ونعيش معهم التحديات، ويبذل كل ما يستطيع في سبيل تخفيف معاناتهم جراء سياسات الاحتلال، ونقيم في الأردن بيوتا للعزاء كما تقام في فلسطين، ونتقاسم الدواء والخبز، ونرسل المساعدات وبالشراكة مع الأشقاء العرب والأصدقاء من دول العالم، المؤمنة بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والحياة وبدولتة المستقلة الناجزة، ونخوض معركة المحافل الدبلوماسية الدولية لإيصال الحق والصوت الفلسطيني والعربي المدافع عن الحق الفلسطيني.
وأضاف أنه "وفي طليعة الدور الإنساني والإغاثي تقدم جلالة الملك عبد الله الثاني وولي عهده الأمين سمو الأمير الحسين، مشهدا فريدا وأصيلا في المشاركة بإنزال المساعدات على الأشقاء في غزة، والإشراف والمتابعة لإطلاق قوافل الدعم والإغاثة واستقبال الجرحى من مختلف الفئات للعلاج في الأردن، وإقامة وإدامة عمل المستشفيات الأردنية من قبل القوات المسلحة الأردنية في غزة والضفة الغربية، بالرغم من تعقيدات الوصول والإنزال والمضايقات والعوائق التي يمارسها الاحتلال.
وأوضح أن العدوان يمسنا كونه اعتداء على الشقيق الفلسطيني، وأن دماء الشهداء الأردنيين اختلطت بأرض فلسطين، وكتبت سطورا وفصولا في دفاتر المجد والخلود، ولأننا وقفنا مواقف العز والكرامة والشرف، مدافعين مقبلين لا مدبرين عن القدس الشريف وما زلنا، فالقضية الفلسطينية قضيتنا الأولى؛ لأننا ورثنا وعشنا علاقة مختلفة وفريدة مع الشقيق الفلسطيني، معروفة للقاصي والداني.