بين ألم لا يحتمل وبصيص أمل، يرنو بعض المرضى للحصول على علاج يشفي أسقامهم وعللهم التي استعصت على الطب أو حارَ بها دليل الأطباء كما يظنون، فانساقوا وراء إعلانات تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي تروج لعلاجات افتراضية فوقع كثيرون في حبائل الوهم لتضيف الى آلامهم خيبة أمل جديدة.
ولتعزيز وعي الموجوعين بخطورة هذه (الظاهرة)، فتحت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) ملف الأدوية والعلاجات الوهمية التي تشهد انتشارا واسعا على الفيسبوك والانستغرام وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي واستطلعت آراء مرضى وأطباء ونقابيين ومسؤولين للوقوف على تبعات هذه المشكلة على المرضى الذين ينتظرون شفاء لا يأتي ودواء لا يشفي المكلومين بوجعهم،
الستينية (أم محمد) التي اعتادت تصفح "الفيس بوك" لفت انتباهها ذات يوم إعلان يقول ناشروه والمروجون والمشيدون به بأنه (دواء) كأنه (السحر) لآلام الديسك، لم تتردّد أم محمد لحظة؛ فالأمل الذي يراودها أقوى الشك، والوجع الذي رافقها منذ سنوات لا يحتمل التحقق أو الانتظار فقد حرمها انزلاق غضروفي والجراحة بالنسبة لها "خيارٌ مستبعد" بسبب وضعها الصحي ولم يبق أمامها من خيار سوى المسكنات لتبدأ رحلتها مع (علاج) لا يُعرف مصدره ولا مدى سلامته يدفعها "خيط من رجاء لعل وعسى" لكن الأمل سرعان ما تبدد وليتبين لها أن خيط الرجاء كان مجرد دخان.
ومثل أم محمد تقول (حليمة) التي أنهك (السكري) جسدها رغم محاولاتها اليائسة للسيطرة على مستوياته في الدم إنها انساقت وراء إعلان تصدّر صفحات التواصل الاجتماعي لتجرب (دواء) سرعان ما اكتشفت أنه بلا جدوى لتضيف انتكاسة أخرى إلى سجلها الصحي، ومثلها أيضا الأربعينية أم عبدالله التي كان هاجسها تخفيف وزنها لكنها صعقت بعد تجريب وصفات وأدوية ابتاعتها رقميا عبر شبكة التواصل الاجتماعي بأن مؤشرات الميزان بدأت تأخذ اتجاها تصاعديا فما كان منها إلا أن تخلصت من (الدواء) والميزان معا.
تلك مشكلة تكشفت نتائجها للكثيرين: فـ "ظاهرة ترويج الأدوية غير المرخصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تمثل تحديًا مقلقًا يهدد سلامة المجتمع والمنظومة الصحية نظرًا لإمكانية وصولها بسرعة مذهلة للمتعلقين بأمل الشفاء حتى ولو كان وهما".
هذا ما يقوله نقيب الأطباء الدكتور عيسى الخشاشنة الذي يؤكد أن الأردن يُعد من الدول الرائدة في تصدير العلاجات وبجودة عالية لكن هذا لم يمنع انتشار بعض المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالتداوي خاصة عبر منصات التواصل الاجتماعي التي باتت بيئة خصبة لتسويق منتجات دوائية غير موثوقة،
ويشير الخشاشنة الى أن مروجي (العلاجات الوهمية) يستغلون حاجة المرضى وبحثهم عن حلول سريعة لآلامهم، موضحا أن العديد من صفحات التواصل الاجتماعي تستخدم أساليب تسويقية مضللة لجذب المتابعين، ويوظفون تقنيات الذكاء الاصطناعي لتصميم محتوى يظهر بمظهر علمي أو ديني موثوق ما يجعل المواطن العادي يقع في فخ الاقتناع دون التحقق من المصدر أو سلامة المنتج.
وأضاف الخشاشنة، ان "بعض هذه المنتجات قد تحتوي على مكونات ذات تأثير عكسي وقد تسبب آثارًا جانبية خطيرة مثل اضطرابات في ضغط الدم أو السكري أو حتى الجلطات، خاصة أن نسب المواد الفعالة فيها غير مدروسة علميًا وغير خاضعة للضوابط الطبية، موضحا أن الدواء يحتاج إلى ضبط دقيق يتناسب مع وزن المريض وحالته الصحية، وأي خلل في التركيب أو الجرعة قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة".
وضرب الخشاشنة مثالًا على ذلك بـ "نبتة الزعرور" التي تُعرف بقدرتها على توسيع الشرايين لكنها قد تؤدي إلى ميوعة مفرطة في الدم وتشكل خطرًا على مرضى القلب بسبب احتمالات تفجر بالشرايين إذا استُخدمت دون إشراف طبي.، مشيرا الى أن المستخلصات الطبية الموثقة من هذه العشبة والمتوفرة في الصيدليات تُعد آمنة كونها تخضع لاختبارات صارمة ومعايير علمية دقيقة.
وأكد نقيب الأطباء أن النقابة لا تملك صلاحيات رقابية مباشرة على مروجي هذه المنتجات إلا إذا كان طبيبًا حيث تُشكّل لجنة مختصة في هذه الحالة لاتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة.
أما في الحالات الأخرى فيقتصر دور النقابة على التنسيق مع وزارة الصحة ومؤسسة الغذاء والدواء لرصد المخالفات وتحويلها للجهات المختصة، ضمن لجان ضبط المهنة.
لكنه شدّد على أهمية رفع مستوى الوعي الصحي لدى المواطنين من خلال حملات توعوية تنفذها الجهات المعنية بالتعاون مع الإعلام والمجتمع المدني، محذرًا من اللجوء إلى استخدام "العلاجات المجربة أو الشعبية" دون الرجوع إلى مصادر طبية معتمدة لما قد تحمله من مضاعفات صحية تصل إلى حد الوفاة.
من جانبه، حذّر استشاري جراحة الدماغ والأعصاب والعمود الفقري الدكتور سعد حمدان، من خطورة اللجوء إلى علاجات يتم الترويج لها عبر صفحات التواصل الاجتماعي لعلاج الديسك، مؤكداً أنها لا تحقق أي فائدة طبية، بل تسبب مضاعفات صحية خطيرة.
وأكد حمدان أن بعض هذه العلاجات غير مأمونة وقد تسبب مضاعفات تمتد من الجلد إلى النخاع الشوكي انتهاء الى الإصابة بـ (السحايا) وقد تفضي إلى الوفاة، موضحا أن بعض المرضى قد يكون لديهم حساسية من بعض المركبات مثل السلفا وأخرى مميتة تجاه مكونات معينة.
وأشار إلى أن بعض المرضى يتجنبون زيارة الطبيب بسبب اعتقاد قديم خاطئ بأن عمليات الديسك تسبب الشلل، ما يدفعهم للبحث عن بدائل وهمية مثل "لسعات النحل" أو المراهم العشبية، متسائلا "هل يمكن للسعة نحلة أو مرهم أن يعالج انزلاقا غضروفيا أو يخفف الضغط على العصب".
وبيّن حمدان أن الديسك عبارة عن غضروف يخرج من مكانه ليضغط على العصب مسبباً آلاماً تعرف بـ "عرق النٓسا"، مشيرا الى أن العلاجات في المراحل الأولى تقتصر على تخفيف الألم فقط بينما العلاج الفعّال يعتمد على تقييم الحالة بدقة، فإذا كان الديسك صغيراً وبعيداً عن العصب يمكن اللجوء إلى العلاج بالتردد الحراري، أما إذا كان ضاغطاً ويسبب ضعفاً عضلياً، فلا بديل عن الجراحة.
وسرد حمدان مثالاً لحالة راجعته بعد أن قرر لها عملية جراحية لكن عند وضع المريض تحت التخدير وتهيئته للجراحة تبيّن وجود تسلخات جلدية كبيرة بسبب استخدامه عشبة "القبار" ما أجبره على إيقاف العملية خشية حدوث التهابات خطيرة قرب منطقة الديسك.
استشاري الغدد الصماء والسكري الدكتور علي الزعبي حذر من خطورة تداول وشراء العلاجات غير المرخصة التي يتم الترويج لها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، مؤكداً أن هذه الظاهرة أصبحت تشكّل تهديداً مباشراً لصحة المرضى، وقد تقود إلى مضاعفات خطيرة تمس القلب والكلى وأعضاء حيوية أخرى.
وشدّد الزعبي على أن الأدوية الخاصة بمرض السكري تُعدّ من أكثر العلاجات حساسية الأمر الذي يستوجب وجود جهة إشرافية مختصة لفحص أي علاج قبل تداوله، لافتاً إلى أن الجهة الوحيدة المخوّلة قانونياً وعلمياً لإصدار الحكم على مأمونية هذه العلاجات هي المؤسسة العامة للغذاء والدواء و "لا يمكن إطلاق حكم بأن العلاج آمن أو طبيعي أو فعال إلا من خلال المؤسسة المختصة".
وأوضح أن الخطورة الكبرى تكمن في أن هذه العلاجات يتم الترويج لها على أنها بديل فعّال يغني المريض عن علاجه بالدواء المرخص والمأمون ما يدفع بعض المرضى إلى ترك أدويتهم الأساسية على أمل الحصول على نتائج سريعة، وهو ما يؤدي إلى تفاقم حالتهم الصحية بشكل خطير.
وأشار الزعبي إلى أن المؤسسة العامة للغذاء والدواء سجّلت بالفعل حالات لأشخاص قدّموا عينات من هذه العلاجات ليتبيّن أنها أدوية مغشوشة أو مخلوطة بمواد غير معلومة قد لا تتناسب مع جميع المرضى، بل تسبب مضاعفات خطيرة على أعضاء الجسم. وضرب مثالاً ببعض "علاجات السكري" التي وُجد أنها تحتوي على خليط من الأعشاب أو مركبات دوائية تؤدي إلى تدهور صحة مرضى القلب أو الكلى.
وأشار في هذه المسألة الى حالة حضرَت إلى عيادته لمريض يعاني من نشاط في الغدة الدرقية، تبيّن أنه كان يتناول علاجاً تم شراؤه عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتنحيف، ليتضح لاحقاً أن هذا العلاج يحتوي على دواء خاص بالغدة الدرقية. وبعد التوقف عن تناوله، عادت حالته الصحية إلى طبيعتها.
وأكد الزعبي أن العلاجات الطبية يتم اختيارها بدقة بناءً على تقييم الطبيب المتخصص لسيرة المريض الطبية والأمراض المزمنة المرافقة له، مشدداً على أن أي علاج غير خاضع لهذا التقييم قد يكون كارثياً على صحة المريض، مشددا على أن شراء العلاج يجب أن يكون فقط من الصيدليات المرخصة والمختومة من نقابة الصيادلة والمسجلة لدى مؤسسة الغذاء والدواء، وأي طريق آخر هو مجرد "بيع للوهم واستغلال مادي وصحي للمريض".
من جهته يؤكد الصيدلاني علي أبو محيميد أن أخطر ما في العلاجات التي يجري الترويج لها على وسائل التواصل هو التداخلات الدوائية غير المحسوبة مع الأدوية الموصوفة للمرضى.
وأضاف، إن "بعض الأعشاب أو المركبات قد تثبّط أو تنشّط إنزيمات الكبد المسؤولة عن استقلاب الأدوية مثل إنزيمات ( CYP450) ما يؤدي إما إلى زيادة تركيز الدواء في الدم وحدوث سمّية خطيرة كما هو الحال مع أدوية القلب أو مميعات الدم، أو إلى انخفاض تركيزه وفقدان فعاليته، كما في أدوية السكري والضغط".
وأضاف، إن هذه الخلطات قد تؤثر أيضاً على امتصاص الأدوية، إذ تحتوي أحياناً على ألياف أو معادن تعيق امتصاص أدوية مهمة مثل أدوية الغدة الدرقية أو المضادات الحيوية، وقد تضم أحيانا مواد تخفض السكر أو الضغط، ما يؤدي إلى مضاعفة تأثير الأدوية الموصوفة وحدوث هبوط حاد في سكر الدم أو ضغط الدم.
وحذر أبو محيميد من أن كثيراً من هذه المنتجات مجهولة المصدر وقد تحتوي على مركبات سامة للكبد، كما أن بعض الأعشاب تحتوي على مواد تُرهق الكلى وقد تؤدي إلى فشل كلوي حاد ما يشكل خطراً مضاعفاً على مرضى السكري.
وأوضح أن الخطر الأكبر يكمن في أن هذه المنتجات غير مراقبة، ما يجعلها عرضة للغش بإضافة مواد دوائية كيماوية خطيرة مثل الستيرويدات أو مضادات الالتهاب أو حتى المنشطات الجنسية بجرعات مجهولة، وهو ما يؤدي إلى حالات تسمم مباشر وسريع.
مدير عام هيئة الاعلام بشير المومني يوضح أن واجبات ومتابعة هيئة الاعلام تنحصر بالملاحظات الواردة بشأن الاعلانات فيما يخص المرخص لهم ضمن النشاطات القطاعية التي تنظمها الهيئة ولا يتعدى ذلك لسواها من النشاط على مواقع التواصل حيث ان الجهات المرخصة لدى هيئة الاعلام تراعي التشريعات ذات الصلة وتعمل بموجبها بشكل مهني محترف ولا تقوم بنشر أي دعاية الا بعد التحقق من اتفاقها واحكام التشريعات الناظمة مثل تحري الشهادات والاذونات والرخص والموافقات الصادرة عن مؤسسة الغذاء والدواء للادوية والاغذية كما تتحرى موافقات مؤسسة المواصفات والمقاييس للسلع وكذلك الحال عند الاعلان والترويج لمنشأة تعليمية او جمعيات حيث يتم التحقق من كونها حاصلة على تراخيص وموافقات الجهة التنظيمية وفي حال وجود مخالفة او ملحوظة ترد لهيئة الاعلام عن اعلان تم نشره من خلال جهة مرخصة لديها يصار الى معالجتها تنظيميا .
وفيما يتعلق بالعقوبات يقول المومني إن مصدرها القوانين ذات العلاقة مثل قانون الصحة والتشريعات الخاصة بالغذاء والدواء حيث ان مؤسسة الغذاء والدواء هي صاحبة الولاية في رصدها والتحقق من وقوعها واحالتها للمحكمة المختصة وفق منظومة العدالة العقابية الاردنية.
وفي رد المؤسسة العامة للغذاء والدواء على استفسارات (بترا)، أكدت أنه يمنع بيع الأدوية والمستحضرات الطبيعية والمستحضرات الصيدلانيّة المحتوية على الفيتامينات والمعادن عبر مواقع التواصل الاجتماعي ولا يجوز شراؤها إلا من الصيدليات.
وأشارت الى أنه بحسب قانون الدواء والصيدلة يمنع الترويج الدعائي للأدوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ولكن يسمح للمستحضرات الطبيعية والمستحضرات الصيدلانيّة المحتوية على الفيتامينات والمعادن بعد اخذ موافقة المؤسسة بحيث يكون الإعلان مطابقا لبطاقة البيان والنشرة المرفقة مع المستحضر والدراسات المدعمة.
وأضافت المؤسسة، أن جهودها الرقابية تستهدف الرصد الدوري لاعلانات الأدوية والمستحضرات الصيدلانية والفيتامينات والمكملات الغذائية ومستحضرات التجميل التي تنشر عبر الصفحات الإلكترونية على بعض مواقع التواصل الاجتماعي وتتبع المنتجات المعلن عنها والاشخاص القائمين على الاعلان عنها حماية لصحة وسلامة المواطن، مشيرة الى أنها تقوم بإحالة الصفحات الإلكترونية المخالفة إلى مديرية الأمن العام- وحدة الجرائم الإلكترونية لاتخاذ الإجراء اللازم بحق الصفحات والقائمين عليها.
وفيما يخص المكملات الغذائية تعمل المؤسسة على إلغاء إجازة أي منها في حال تم الإعلان عنها دون الحصول على إجازة إعلان أغذية خاصة حسب الأصول أو الإعلان عنها بادعاءات غير صحيحة أو غير مجازة وغير مثبتة علميا ومضللة للمستهلك ومخالفة لما جاء في بطاقة بيان المنتج او مخالفة لما ورد كتاب الإجازة.
وتنفذ المؤسسة بشكل مستمر حملات توعوية لتعزيز وعي المواطنين بأهمية شراء الأدوية من الصيدليات، كونها تخضع للرقابة والتفتيش الدوري من قبل المؤسسة للتأكد من التزامها بظروف التخزين والاشتراطات الفنية اللازمة، داعية الى التواصل معها في حال وجود أي ملاحظة أو استفسار أو شكوى من خلال خط الشكاوى المجاني (117114) والبريد الإلكتروني (info@JFDA.Jo) و "واتس أب" على الرقم 0795632000.