نيروز الإخبارية : تترقب الأوساط الاقتصادية والشعبية، انطلاق المرحلة الثانية من رؤية التحديث الاقتصادي 2023 – 2033، لما تحمله من وعود تتعلق بإطلاق مشاريع كبرى، وتحريك عجلة الاقتصاد، وتوفير فرص عمل، وتقليص الفجوات التنموية بين المحافظات.
هذه المرحلة التي وصفها خبراء بأنها "مرحلة الإنجاز والتحول"، تأتي بعد عامين من وضع الإطار العام للرؤية التي انبثقت عن توجيهات ملكية سامية، لتمثل مشروعا وطنيا طويل الأمد.
وتأتي هذه الرؤية في ظل توجيهات ملكية سامية تدرك أن التحديات الاقتصادية التي تواجهها المملكة يمكن تجاوزها من خلال خارطة طريق واضحة وقابلة للتطبيق تعتمد على ثوابت مؤسسية وبرامج عملية لا تتأثر بأي تغيرات داخلية أو خارجية.
ووصف المختصون الرؤية بأنها "برامج لا أشخاص"، بمعنى أن الأولوية للخطط والإجراءات وليس للأفراد، ما يخلق نوعا من الاستقرار والثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.
وتعد هذه الرؤية شاملة، حيث أنها لم تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل تضمنت أبعادا اجتماعية وتنموية تهدف إلى بناء اقتصاد قادر على مواجهة المتغيرات العالمية والمحلية مع الاهتمام بالتوازن الإقليمي والتوزيع العادل للفرص.
وقال رئيس غرفتي تجارة الأردن وعمان العين خليل الحاج توفيق، إن مرحلة إعداد المرحلة الثانية من الرؤية اتسمت بكونها أكثر تشاركية من أي مبادرة اقتصادية سابقة، حيث تم إشراك القطاع الخاص بصورة غير مسبوقة في حوارات وطنية واسعة وكانت نتيجتها رؤية تنموية متكاملة تعكس احتياجات السوق والواقع الاقتصادي.
وأشار الى أن القطاع التجاري الذي يعد من الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني وشريان الحياة الاقتصادية، تلقى اهتماما خاصا في المرحلة الثانية، مع وضع استراتيجيات عملية لتجاوز التحديات الكبيرة التي تواجهه، خاصة مع تسارع وتيرة التجارة الإلكترونية التي أثرت على الأسواق التقليدية وأدت إلى تراجع القوة الشرائية في بعض القطاعات.
وبين ضرورة فصل المعاملة القانونية بين الأفراد والتجار لتوفير بيئة عمل أكثر أمانا وتعزيز الثقة في العلاقات التجارية مع تطبيق سياسات تضمن المنافسة العادلة ودعم المنتج المحلي وحماية السوق الداخلي.
وأكد أنه تم تصميم الرؤية بحيث تسمح بالمراجعة الدورية والتحديث المستمر للأولويات بما يتناسب مع متغيرات السوق، ما يجعلها خطة ديناميكية أكثر من كونها خطة جامدة، وهذا انعكس بشكل إيجابي على مدى التفاعل والمشاركة التي شهدتها في كل مراحل صياغتها.
من جهته، قال نقيب المقاولين الأردنيين فؤاد الدويري، إن المرحلة الثانية من رؤية التحديث الاقتصادي تمثل منعطفا استراتيجيا هاما لهذا القطاع، حيث انطلاق المشاريع الكبرى مثل الناقل الوطني للمياه ومشاريع الربط الإقليمي للنقل وتطوير البنية التحتية في المحافظات ستوفر الدفعة القوية للقطاع.
ويشدد الدويري على أن هذه المشاريع تحمل في طياتها أفقا أوسع لإعادة تأهيل الشركات الأردنية وتطوير قدراتها كما أنها ستنشط سلسلة من الصناعات المرتبطة بالمقاولات، مثل إنتاج المواد الخام والتوريدات والخدمات الهندسية.
ولفت إلى أن النقابة تعمل حاليا على إعداد قائمة بالشركات المؤهلة التي تلتزم بمعايير الجودة والشفافية، كما تسعى لعقد شراكات مع الجهات الحكومية والمالية لضمان تأمين مصادر تمويل ملائمة للشركات، ما يعزز من جاهزية المقاولين وقدرتهم على تنفيذ المشاريع بجودة عالية.
بدوره، أكد الاقتصادي حسام عايش، أن الرؤية تستهدف الاستفادة من كل الإمكانيات المتاحة، بدءا من الاتفاقيات مع البنك الدولي والمؤسسات المالية الإقليمية، وصولا إلى القروض والمنح.
وشدد عايش على أهمية تفعيل آليات التمويل الداخلي من خلال طرح أدوات مالية جديدة، مثل إصدار سندات وطنية موجهة للمواطنين وهي آلية تمكن الدولة من استقطاب مدخرات الأفراد والمؤسسات المحلية في مشاريع استثمارية بعوائد محفزة، إلى جانب مشاركة مؤسسات مثل صندوق الضمان الاجتماعي والبنوك الأردنية التي يمكن أن تلعب دورا فاعلا في تمويل المشاريع ذات العائد المضمون، ما يقلل من الاعتماد على مصادر التمويل الخارجية.
وأوضح أن التمويل الشعبي هو أداة لتعزيز الشعور بالمسؤولية الوطنية والوعي المجتمعي بأهمية المشاريع التنموية ويعزز العلاقة بين الحكومة والمواطن ويخلق حالة من التكاتف المجتمعي.
ودعا عايش الى ضرورة وجود خطط إدارة مخاطر متقدمة تراعي المخاطر التي قد تهدد مسارات التمويل، مع ترتيب الأولويات لتحديد المشاريع ذات الأولوية القصوى للعائد الوطني.
من جانبه، قال رئيس مركز التنمية المستدامة في جامعة اليرموك الدكتور عبدالباسط عثامنة، إن تحقيق التنمية الشاملة لن يتحقق إلا بإعادة توجيه جهود التنمية نحو المحافظات النائية والمناطق التي تعاني من فجوات تنموية كبيرة مقارنة بالعاصمة.
ويشير إلى أن تركيز حوالي 42 بالمئة من السكان في عمان وحدها يضع ضغطا كبيرا على الخدمات والبنية التحتية ما يزيد من الفجوة التنموية بين المركز والأطراف.
وأكد عثامنة ضرورة تطوير مراكز تنموية متخصصة في المحافظات الشمالية والجنوبية تعزز من فرص الاستثمار وتوفر بيئة جاذبة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة مع تحسين شبكات النقل العام بين المحافظات لخفض تكاليف الحركة ونقل البضائع ما يعزز تنافسية المنتجات المحلية.
وأشار الى الاستثمار في الطاقة المتجددة، خصوصا في المناطق الريفية التي تتمتع بإمكانات كبيرة، الأمر الذي يساهم في خفض تكلفة الطاقة والمياه وبالتالي رفع كفاءة الإنتاج مع تقديم حوافز ضريبية وتشريعية لتشجيع المستثمرين على التوجه إلى هذه المناطق.
من ناحيته، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور قاسم الحموري أن القوانين واللوائح تحتاج إلى دعم تشريعي وتنفيذي قوي، بحيث تكون فاعلة في التطبيق، لضمان سير العمل بسرعة ودون عراقيل بيروقراطية.
بدوره، أوضح خبير التخطيط الاستراتيجي زياد عبيدات، أن المشاريع الكبرى مثل مشاريع الطاقة المتجددة وتطوير شبكات النقل وتحسين البنية التحتية للمياه واستخراج المعادن وتنمية السياحة والصناعات التحويلية هي المحركات الأساسية لتحقيق مستهدفات الرؤية على مدار العقد المقبل، حيث ستوفر آلاف فرص العمل المباشرة وتخلق الوظائف غير المباشرة في قطاعات مرتبطة مثل الخدمات، والإسكان والتجارة واللوجستيات، كما ستفتح المجال أمام شركات ناشئة ورواد أعمال لتقديم حلول مبتكرة تدعم تنفيذ هذه المشاريع.
وأضاف، إن التوزيع الجغرافي لهذه المشاريع في مختلف المحافظات سيخفف الضغط عن العاصمة ويعزز من توازن التنمية، ما يسهم في الحد من الهجرة الداخلية ويدعم المجتمعات المحلية.
وبين أهمية تطوير برامج التدريب المهني والتقني المتخصصة لتتناسب متطلبات المشاريع من خلال إنشاء أكاديميات ومراكز تدريب موزعة جغرافيا بشراكة مع القطاع الخاص لتوفير تدريب عملي قائم على احتياجات السوق.
من جهته، قال أستاذ الاقتصاد الدكتور رائد بني ياسين، إن النجاح في تنفيذ المرحلة الثانية من الرؤية يعتمد بشكل كبير على قدرة المؤسسات الحكومية على التنسيق الفعال وربط العمليات عبر الوزارات والجهات المعنية.
وتابع، أن الربط المؤسسي الرقمي والإجرائي يزيد من سرعة اتخاذ القرار ويسهل تدفق المعلومات ويسمح بتوزيع الموارد بكفاءة أكبر، كما يعزز الشفافية والمساءلة في تنفيذ المشاريع.
وأوضح أن المرحلة الثانية من رؤية التحديث الاقتصادي تشكل فرصة تاريخية أمام الأردن للنهوض الاقتصادي والاجتماعي مع تناغم الجهود بين القطاعين العام والخاص ووجود متابعة دقيقة لأداء الجهات المعنية مع التزام مالي وتنفيذي صارم.
وقال بني ياسين، إن التحول الاقتصادي المستدام ليس خيارا بل ضرورة، وهو ممكن تحقيقه من خلال استثمار الحكمة الوطنية والعمل الجماعي لصنع مستقبل يعكس طموحات الأردنيين في حياة أفضل واقتصاد أكثر عدالة وابتكارا.