من جبال عمان الشامخة، حيث تعلّم الرجال أن الكرامة أول العناوين، خرج فارس العدل والهيبة، الشيخ عارف مخيمر الدعجة رحم الله روحه .. ابن عائلةٍ بايعت الوطن بالتضحيات، ووقفت شامخة خلف الراية الهاشمية..
لم يكن قاضياً عشائرياً وحسب، بل كان ميزاناً للأيام، يزن الخصومات كما يزن الذهب، فتخرج الأحكام من مجلسه وكأنها آيات من نور. في الأردن عرفه الجميع، حتى صارت المجالس تتحكا باسمه ؛؛ وحين طوى صيته حدود الوطن، وصل صداه إلى فلسطين وسوريا والعراق وتبوك ..
في سوريا، دعته قبائلها يوم اختلفوا على دمٍ كاد أن يشعل الفتنة. حضر الشيخ عارف، فجلس بين الشيوخ والوجهاء، يستمع بصبر، ثم قال كلمته التي صارت مثلاً: "الدم لا يُطفئه إلا الحق، والحق لا يُعيده إلا العدل"، فقَبِل الخصمان بحكمه ؛ وانطفأت نارٌ كادت تحرق البيوت. ومن يومها بقي ذكره في دواوينهم، يذكرونه بالهيبة والرأي السديد..
أما في فلسطين، فقد اجتمع حوله رجال من القرى والبوادي بعدما تعذّر الفصل بين عرب التعامرة ، فلما تكلم، لم يُسمع في المجلس إلا صوته. حكم بالعدل، وأرضى المتخاصمين حتى تعانقوا بعد عداوة طويلة ، فقال أحد كبارهم يومها: "لقد حكم بيننا رجل من قضاة الدنيا والآخرة"، وبقي صدى تلك الكلمات يتردّد حتى اليوم.
قصص كرم الشيخ عارف رحمه الله؛ لا تقل عن عدله؛ فكان إذا نزل الضيف عنده، يبيت آمن البال، ويغادر ممتلئ اليد والروح. لم يعرف الضيف أنه غريب في داره، بل كان واحداً من أهله. وكان إذا أقام الولائم، قالوا: "مجلس الدعجة مفتوح كالسهل، وكرمه كالغيث لا ينقطع".
ولأنه سابق لعصره، لم يحكم بالهوى، ولم ينظر إلى نسب أو جاه، بل كان يرى الناس سواسية، يضع الغني والفقير في كفة واحدة، ويقول: "العدل لا يُقاس بالجيوب، بل بالحق المكتوب في القلوب".
ولذلك، ظل اسمه يُذكر في الأردن وخارجها، كواحد من الرجال الذين عاشوا كباراً ومضوا كباراً. واليوم، حين يتحدث الناس عن القضاة العشائريين، يبدؤون من عارف مخيمر الدعجة، لأنه الرجل الذي جعل من العدل راية، ومن الكرم سبيلاً، ومن الحكمة ميراثاً يخلّد الأجيال..