أم العمد، حيث الريح تعانق السهل، وحيث البيوت مضارب عزّ وكرم، وُلد فارسٌ ما عرف إلا الأصالة عنواناً له. هناك في حضن (حامر ) .. رحمها الله – تربّى، بين دعائها وصبرها، وبين عزيمتها التي لو حملتها الجبال لتصدّعت، ومع ذلك حملتها امرأة مؤمنة، وعلّمت ابنها أن المجد لا يوهب، إنما يُنتزع بالصبر والجلَد.
ذلك الفارس هو المحافظ جمال ملوح الفايز؛ شابٌ باسل، لم تغره سهولة الدروب، بل اختار أصعبها. شدّ رحاله بعيداً، تذوّق مرارة الغربة، وواجه قسوة الليالي وهو يطلب العلم. لم يكن سفره من أجل ذاته فقط، بل كان يجرّ قلب أمه معه، يخطو على حلمها، ويسمع همسها في صلاتها: "اللهم اجعل ولدي سيّداً نافعاً لوطنه". فما خاب الدعاء، ولا خاب السعي، وإذا بالغربة تُثمر عزّاً، وإذا بالتعب يُزهر مجداً..
عاد جمال مكللاً بالنجاح، لا يحمل شهادة فحسب، بل يحمل رسالة: أن الوفاء للأم هو أول الطريق، وأن الجد والاجتهاد يصنعان مجداً يظلّل أهله وربعه. ومنذ ذلك اليوم صار حيث يخطو، يعلو صوته فوق الصدى، ويصعد اسمه فوق القمم، حتى صار عَلَماً بين الناس.
لم يكن جمال محافظاً بالمنصب فقط، بل كان شيخاً بالمعنى الأصيل؛ يقف بين الناس ويقول لهم: "أنتم أهلي وربعي". لم يقلها تزييناً للحديث، بل عاشها حقيقةً؛ يفتح قلبه كما يفتح ديوانه، يواسي المكلوم، ويشدّ على يد الطامح، ويعطي كما لو أن الكرم يجري في دمه.
إنه جمال الذي إذا مرّ ترك خلفه أثراً من محبة، وإذا جلس ملأ المكان هيبة ووقاراً، وإذا تحدث أسكت الأصوات ليُسمع صوته. فهنيئاً لمن عرفه واقترب منه، فقد عرف رجلاً لا يتكرر، وهنيئاً لأمه حامر – رحمها الله – التي صبرت وربّت وغرست، فأنبت الله منها فارساً يليق أن يُقال عنه: ابن الكرام، وصانع المجد، وسليل الأصالة.