في الأردن، لطالما كانت الوظيفة الحكومية الخيار الأكثر جذبًا للشباب، ليس فقط بسبب الاستقرار المالي النسبي، وإنما أيضًا لما تحمله من مكانة اجتماعية وأمان وظيفي، ومع ذلك، تغيّر المشهد الاقتصادي والاجتماعي خلال العقود الأخيرة، فأصبح السؤال مطروحًا: هل الوظيفة الحكومية ما زالت حلم الشباب الأردني؟
اليوم يواجه الأردن تحديات اقتصادية كبيرة أبرزها البطالة بين الشباب، وتباطؤ النمو الاقتصادي، مما أدى إلى إعادة النظر في مستقبل التوظيف بشكل عام. فبينما يتمسك البعض بالحلم التقليدي بالوظيفة الحكومية، يتجه آخرون للقطاع الخاص أو حتى إلى ريادة الأعمال باعتبارها خيارات أكثر واقعية.
البطالة بين الشباب في الأردن
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن معدلات البطالة بين الشباب في الأردن من بين الأعلى في المنطقة. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها محدودية فرص التوظيف الحكومي، وضعف استيعاب القطاع الخاص للأعداد الكبيرة من الخريجين الجدد، بالإضافة إلى التخصصات الجامعية التي لا تتناسب دائمًا مع احتياجات سوق العمل.
فعلى سبيل المثال، ما يزال الطلب مرتفعًا على التخصصات النظرية مثل الإدارة والحقوق، بينما يعاني سوق العمل من نقص في بعض التخصصات التقنية والمهنية. وهذا الخلل بين العرض والطلب يجعل الحصول على وظيفة حكومية أو خاصة أكثر صعوبة.
الوظيفة الحكومية: حلم أم وهم؟
ارتبطت الوظيفة الحكومية في الوعي الجمعي الأردني بالأمان والاستقرار: راتب شهري مضمون، تأمين صحي، تقاعد، وبيئة عمل أقل مخاطرة من القطاع الخاص. إلا أن الواقع الحالي يشير إلى أن هذا الحلم لم يعد متاحًا للجميع كما كان في الماضي.
الحكومة الأردنية اليوم تواجه ضغوطًا مالية كبيرة، ما يجعل قدرتها على التوسع في التوظيف محدودة جدًا. لذلك، فإن فرص العمل المتاحة في الأردن ضمن القطاع الحكومي تقلصت بشكل ملحوظ.
ومع ذلك، ما يزال العديد من الشباب يسعون خلف الوظيفة الحكومية على الرغم من قلة عددها، مما يزيد من حدة المنافسة ويطيل فترات الانتظار.
مستقبل العمل الحكومي
من الواضح أن مستقبل العمل الحكومي لن يكون كما كان في العقود السابقة. إذ تتجه الدولة إلى إعادة هيكلة القطاع العام بهدف ترشيد الإنفاق ورفع كفاءته.
هذا التوجه يعني أن الوظائف الحكومية الجديدة ستتركز غالبًا في قطاعات معينة مثل:
التعليم والصحة، باعتبارهما أساس التنمية.
الأمن والخدمات الأساسية التي لا يمكن للقطاع الخاص القيام بها.
المجالات التكنولوجية والتحول الرقمي داخل المؤسسات الحكومية.
لكن في المقابل، لن تعود الدولة قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من الخريجين الجدد، ما يعني ضرورة توسيع النظر نحو بدائل أخرى خارج القطاع العام.
القطاع الخاص كخيار بديل
رغم أن الكثير من الشباب الأردني يتوجس من القطاع الخاص بسبب غياب الأمان الوظيفي وتفاوت الرواتب، إلا أن هذا القطاع بات اليوم الأكثر قدرة على استيعاب القوى العاملة الجديدة.
العديد من الشركات الناشئة، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا، الخدمات اللوجستية، والطاقة المتجددة، تفتح آفاقًا جديدة أمام الشباب، وهنا تكمن الحاجة إلى إعادة توجيه التعليم الجامعي والتدريب المهني ليتناسب مع متطلبات سوق العمل.
فبدلًا من انتظار فرصة حكومية قد لا تأتي، يمكن أن يشكل القطاع الخاص أرضية صلبة لبناء مسار مهني ناجح.
ريادة الأعمال والعمل الحر
إلى جانب القطاع الخاص، يبرز خيار آخر للشباب الأردني وهو ريادة الأعمال والعمل الحر عبر الإنترنت، فقد ساهم انتشار التكنولوجيا والإنترنت في فتح مجالات جديدة مثل البرمجة