رحلت مريم، الصحفية التي كانت تحمل الكاميرا والقلم كأدوات مقاومة في وجه العدوان، لكنها تركت قبل رحيلها وصيةً قصيرة تختصر وجع العمر كله.
في الليلة السابقة لاستشهادها، وبعد يوم طويل من التغطية بين ركام المنازل وصوت الانفجارات، التفتت مريم إلى مسؤول المغسلة وهمست مازحةً بمرارة:
"لفّني بالكفن… بس بالله عليك لا تحطني بالكيس."
كأنها كانت تستشعر قرب النهاية، لكنها رفضت أن تُختنق مرتين؛ مرة بالحياة التي عاشتها تحت القصف والدمار، ومرة بعد موتها.
فجر اليوم، جاءت الصواريخ، وسُوّيت البناية التي كانت تؤدي فيها واجبها الصحفي بالأرض. رحلت مريم بين زملاء المهنة وأصوات الحقيقة التي أرادت نقلها، لتصبح واحدة من شهداء الكلمة في غزة.
المشيعون الذين حملوا جثمانها لم ينسوا وصيتها الأخيرة، فلفّوها بالكفن الأبيض، ورفضوا أن يضعوها في الكيس، احترامًا لطلبها وكأنها ما زالت تنطق بينهم.
اليوم تبكيها غزة، ويبكيها زملاؤها وأصدقاؤها، وتبقى كلماتها شاهدةً على أن القلم قد يُذبح، لكن صدى وصيته لا يموت.