لقاء استثنائي لنيروز
مع الفنان الأردني الكبير شايش النعيمي.. حوار بلا خطوط حمراء
حاوره: الكاتب والاعلامي
محمد محسن عبيدات – وكالة نيروز الاخبارية
في ركن يفيض بالذاكرة
وعبق الماضي، حيث تسكن ملامح الدراما الاردنية الاصيلة، جلست مع قامة فنية لا يختلف
على حضورها وصدقها اثنان. الفنان شايش النعيمي، احد اعمدة الدراما الاردنية ورمز من
رموزها، ما زال رغم الغياب الطويل حاضرا في وجدان المشاهدين، وما زال صوته ناطقا بصدق
الفنان المؤمن برسالته.
التقيناه في غرفة
صناعة اربد عقب تكريمه من رئيس الغرفة الاستاذ هاني ابو حسان، فكان هذا الحوار الصريح
والشفاف الذي كشف عن رؤيته لما وصل اليه حال الفن الاردني.
نيروز: بداية، لماذا
ابتعدت عن الشاشة طوال السنوات الماضية؟
النعيمي: منذ ما
يقارب ثماني سنوات لم اقف امام الكاميرا. اخر عمل درامي لي كان عام 2017. بعد ذلك توقفت
لأن النصوص التي تصلني لم تكن بمستوى يليق بتاريخ الدراما الاردنية ولا بما قدمته في
مسيرتي. اقرأها فأجدها فقيرة وهشة، فأعتذر مباشرة. انا لا اقبل ان يشوه ارثي الفني
الذي صنعناه في اعمال خالدة مثل مسلسل "ام الكروم" واعمال السبعينيات والثمانينيات
التي ما زال الناس يذكرونها حتى اليوم.
نيروز: هل يمكن القول
انك تضع شروطا صارمة لقبول أي عمل جديد؟
النعيمي: بالتأكيد.
لن اقبل بعمل درامي ما لم يكن يحمل رسالة عميقة ومضمونا صادقا يعكس حضارتنا وهيبتنا
للاجيال القادمة. الفن بالنسبة لي ليس مجرد ترفيه بل هو مسؤولية ورسالة.
نيروز: كيف تصف حال
الدراما الاردنية اليوم؟
النعيمي: بصراحة
مؤسف للغاية. هناك جهات محلية انفقت على مسلسلات بمبالغ كبيرة تصل الى مليون ونصف دينار،
لكنها في النهاية لا تساوي شلن. قلتها لهم بالحرف: اتحداكم ان ترسلوا هذه الاعمال كهدايا
حتى لأبسط محطة عربية، لن تُعرض. في مرحلة من المراحل كنا منافسين اقوياء للدراما العربية،
اما اليوم فنحن ننتج اعمالا لا ترقى حتى للمستوى الادنى.
نيروز: ما هي اسباب
هذا التراجع من وجهة نظرك؟
النعيمي: الفنان
الاردني نفسه كان ضحية الظروف المادية الصعبة، فاضطر احيانا الى قبول اعمال هابطة.
ايضا مدراء المحطات التلفزيونية ومدراء البرامج ليسوا كتابا ولا مخرجين، بل مجرد موظفين.
عندما يتقدم اليهم فنان محترف بنص متقن لا يعطونه حقه، بينما يظنون ان بعض الاسماء
على قدر المسؤولية، ثم يكتشفون لاحقا ان ثقافتهم متواضعة.
اضف الى ذلك اننا
نعاني اليوم فقرا في الانتاج والكتابة والاخراج. في التسعينات كان لدينا كتاب كبار
واساتذة مبدعون، وعلى رأسهم الاستاذ محمود الزيود، صانع الدراما الاردنية بلا منازع.
نيروز: وزارة الثقافة
والتلفزيون الاردني يعلنان باستمرار عن دعم الانتاج، الا يكفي ذلك؟
النعيمي: الدعم موجود،
لكن المشكلة في نوعية المشاريع المقدمة. بعضها ضعيف لدرجة انها الحقت خسائر بالجهات
الداعمة. نحن لا نحتاج دعما ماليا فقط، بل نحتاج فكرا ورؤية واحترافا في الكتابة والانتاج.
نيروز: اليوم هناك
من يقيس نجاح الاعمال بعدد المشاهدات على المنصات الرقمية. ما رأيك؟
النعيمي: هذا وهم
كبير. كثرة المشاهدات لا تعني ان العمل ناجح. ربما فيديو بسيط عن اعداد صحن سلطة يحصد
مشاهدات اكثر من مسلسل هادف. المقياس الحقيقي هو الاثر الذي يتركه العمل في الذاكرة
والوعي، وقدرته على تشكيل ثقافة وفكر.
نيروز: ما رسالتك
للفنان الاردني اليوم؟
النعيمي: رسالتي
واضحة: حافظوا على ارثكم ولا تفرطوا فيه. لا تقبلوا بالاعمال الهابطة تحت أي ظرف. الفن
الاردني قادر ان يعود منافسا قويا على الساحة العربية، لكن بشرط ان نصنع اعمالا تحترم
عقل الجمهور وتبني جيلا يعشق الفن الاردني.
نيروز: كلمة اخيرة
لوكالة نيروز الاخبارية وقرائها؟
النعيمي: اقول بصدق،
منذ فترة طويلة لم اجر أي مقابلة صحفية، لكنني وجدت نفسي اليوم ملزما ان اتحدث معكم
لما لمسته من احترافية وتميز في خطابكم الاعلامي والادبي. كنتم على قدر المسؤولية،
وانا اقدر ذلك عاليا.
خرجنا من الحوار
مع الفنان شايش النعيمي بشعور اننا امام فنان لا يبحث عن مجد شخصي، بل عن نهضة جماعية
تعيد للفن الاردني هيبته ومكانته. رجل يرى الفن مسؤولية وطنية وثقافية، ويصر ان يظل
وفيا لدراما اردنية اصيلة صنعت حضورا مشرفا عبر عقود مضت.