الإعلامي الأردني البارز إبراهيم شاهزاده، أحد أعمدة الإعلام الأردني وصوت من أصوات جيل الرواد، انتقل إلى رحمة الله بعد مسيرة حافلة بالعطاء امتدت لأكثر من أربعة عقود في الإذاعة والتلفزيون.
كان شاهزاده عمره ثلاثة وعشرين عاماً عندما اختير مع مجموعة من زملائه لتأسيس إذاعة عربية في الأحواز، لكن شاهزاده نسي في لحظة وعي أنه منتدب لتنفيذ مهمة لحكومة "صديقة”، بعد أن رأى بأم عينيه حجم الظلم الواقع على عرب الأحواز، ومحاولات سلخهم عن تاريخهم وعروبتهم بسبب سياسة حكومة الشاه الفارسية، فرأى الحل في نسج علاقة من نوع خاص مع ثوار الأحواز.
ساهم شاهزاده في كسر بعض حلقات الحصار عنهم عندما بدأ ينقل أخبارهم إلى إذاعة صوت العرب عبر سفارة مصر في الكويت، لكن ما أحزن هذا الإعلامي الذي ينحدر من أصول بنجابية، أن زميله "العربي” هو الذي وشى به للسلطات الإيرانية، ما أدى إلى إبعاده عن البلاد عام 1964 بعد أن قضى فيها أربعة أعوام إعلامياً وطالباً في الجامعة.
عودته بهذه الطريقة من إيران حالت دون عودته لوظيفته الأولى في الإذاعة الأردنية، لتتلقفه إذاعة لندن التي عمل فيها حتى نهاية عام 1967، ولم يعد إلى الأردن إلا عند تأسيس التلفزيون، بناءً على دعوة من الراحل عبد الحميد شرف، ليكون شاهزاده أول مذيع يقرأ نشرة الأخبار عبر الشاشة السحرية.
لم تكن مسيرة حياته مفروشة بالورد، كما يعتقد الذين شاهدوه طويلاً عبر شاشة التلفزيون أو استمعوا إليه عبر أثير الإذاعة، إذ شكل عام النكبة 1948 مرحلة مهمة في حياته الشخصية، حيث انتقلت أسرته للإقامة في عمان بعد سنوات طويلة من الإقامة في الزرقاء التي ولد فيها عام 1937، ليكمل دراسته في مدرسة المطران، وهي المدرسة التي كانت تضم أبناء النخبة ووجهاء المجتمع.
إلا أن شاهزاده، الذي اختار في منتصف الخمسينات ألمانيا لدراسة الهندسة، عاد منها إلى الأردن قبل أن يكمل دراسته، لتقوده الصدفة إلى ستوديوهات الإذاعة، مقدماً ومعداً للبرامج السياسية.
ومثلما أدارت له الإذاعة ظهرها عام 1964، فقد أدارت له الحكومة ظهرها أيضاً بعد ثلاثين عاماً، عندما طلبت منه التنازل عن وظيفة مدير التلفزيون عام 1994 لينتقل إلى منصب رفيع، لكن الانتظار طال ولم يحصل الإعلامي الشهير على ذلك المنصب الذي ظل بالنسبة إليه مجرد حلم، ليحال على التقاعد عام 1997 بعد أن بلغ الستين من عمره، لكنه عاد بعد عام واحد مديرا عاما للإذاعة والتلفزيون في عهد حكومة الدكتور فايز الطراونة.
في مسيرته الإعلامية التي لم تتوقف حتى الآن، عمل أبو لؤي مراسلاً حربياً، وذهب بالكاميرا والميكروفون إلى مواقع ساخنة، مستفيداً من خبرته الطويلة، فكان شاهداً على الاعتداءات الإسرائيلية على الأردن بعد عام 1967، كما سجل العديد من المشاهدات أثناء حرب تشرين على الجبهة السورية في الجولان عام 1973، وأهلته خبرته الطويلة لمرافقة الملك الحسين في كثير من جولاته وزياراته لدول العالم.
الإذاعة التي دخلها عام 1957 ولم يعد إليها عام 1964 أصبح مديرا لها في العام 1988، وعبر أثيرها حدثت معارك سياسية، وانتشرت أغنيات أردنية، وفيها من أسرار العمل ما تنوء به ذاكرة الإعلامي المعروف، خاصة أن مكاتبها شهدت العديد من اللقاءات المهمة التي كان لها دور واضح في رسم معالم الموقف السياسي الأردني. ورغم إغراء الشاشة الصغيرة، إلا أن جيل الإعلاميين الرواد ظل منحازاً لعهد الإذاعة ودورها، حين كانت منبراً لا يمكن منافسته، وحين كان الأردنيون يتحلقون حول أجهزة الراديو على اختلاف أحجامها وأشكالها.
واحد من جيل الرواد الذين حفظت الذاكرة أسماءهم جيداً، وتسطيع أن تميز نبرات أصواتهم، وبعد أن غادر التلفزيون عاد إليه في برنامجه الشهير "من عمان بصراحة"، البرنامج الأكثر سخونة في التلفزيون الأردني، معتمداً على خبرته وثقافته وعلاقاته الواسعة مع مختلف أطياف المجتمع.
عرف شاهزاده بـ"باشا بثياب مدنية"، لقب يحب أبو لؤي من يناديه به في إطار وظيفته وخارجها، وهو أب لثلاثة أولاد وثلاث بنات من زوجتين، وله ضعف هذا العدد من الأحفاد.