يشكّل التأهل التاريخي للمنتخب الوطني الأردني إلى نهائيات كأس العالم المقبلة لحظة فارقة في مسيرة الرياضة الأردنية، وفرصة ذهبية تستحق البناء عليها، فالاهتمام الملكي الكبير الذي واكب هذا الإنجاز ليس مجرد دعم لحظي، بل يعكس توجها استراتيجيا نحو تطوير شامل للرياضة في المملكة، غير أن هذا الطموح الوطني لن يتحقق ما لم نلتفت إلى المحرك الحقيقي للرياضة وهي الأندية الرياضية التي تعد النواة التي ينطلق منها اللاعب، وهي الحاضنة الأولى للمواهب، والخط الأول لصناعة الأبطال، ومع ذلك فإن واقع الأندية الأردنية اليوم يواجه تحديات إدارية وهيكلية تتطلب مراجعة جذرية، إذ تعاني معظم الأندية من غياب الرؤية المستقبلية، وافتقارها إلى نهج مؤسسي واضح المعالم، فضلا عن سيادة المركزية والفردية في اتخاذ القرار، وتراكم المديونية الناتج عن الاجتهادات العشوائية وضعف الكفاءة الإدارية.
إن الطريقة التي تدار بها معظم الأندية، لم تعد تتماشى مع متطلبات المرحلة المقبلة، التي تفرض علينا الانتقال الجاد نحو العمل المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي، وإذا أردنا أن نحاكي التوجيه الملكي في التطوير، فإننا بحاجة إلى خارطة طريق تضع نصب أعينها سبعة محاور رئيسية وهي:
1. تطوير التشريعات الرياضية بما يفتح المجال أمام دخول الاستثمارات والمستثمرين إلى قطاع الأندية، من خلال أطر قانونية مشجعة وآمنة.
2. النهوض بالبنية التحتية عبر إعادة تأهيل الملاعب والمرافق، وتوفير بيئة رياضية محفزة للتدريب والمنافسة.
3. رفع كفاءة الإدارة الرياضية من خلال برامج تدريب وتطوير تستهدف العاملين في الجوانب الإدارية والمالية، لتتحول الأندية إلى كيانات محترفة تدار بعقلية اقتصادية.
4. تحديث البرامج التدريبية بما يواكب تطورات الرياضة العالمية ويركز على تأهيل اللاعبين والكوادر الفنية.
5. تعزيز المشاركة المجتمعية عبر تفعيل النشاطات التسويقية والعلاقات العامة، لربط الأندية بمحيطها الاجتماعي، واستقطاب الدعم الشعبي والجماهيري.
6. تحقيق الاستدامة المالية من خلال تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد فقط على الدعم الحكومي أو التبرعات الموسمية.
7. تخصيص قطع أراض للأندية من قبل أمانة عمان والبلديات، وفق ضوابط واضحة، لإنشاء مرافق رياضية قابلة للاستثمار وتخدم المجتمع المحلي.
وفي هذا السياق، من الضروري أيضا أن تتجه الأندية نحو التخصص في الألعاب الرياضية، بدلا من التوسع غير المنضبط في عدد الألعاب، الأمر الذي يشتت الموارد ويضعف المردود الفني والمالي، كما أن التحول نحو المشاريع الاستثمارية يجب أن يصبح خيارا استراتيجيا، يشجع رجال الأعمال والشركات على الدخول في شراكات حقيقية مع الأندية، بما يسهم في تمويل أنشطتها وتنمية قدراتها.
ختاما.. لا يمكننا الحديث عن رياضة وطنية متقدمة دون أندية قوية، مؤسسية، مستقلة ماليا، ومدارة باحتراف، والتأهل إلى كأس العالم يجب أن يكون نقطة انطلاق لتصحيح المسار، وتفعيل الدور الحقيقي للأندية، لنصنع جيلا من الرياضيين القادرين على تمثيل الأردن في المحافل العالمية بكفاءة واقتدار.