لا تزال العمليات النوعية التي تنفذها كتائب القسام في قطاع غزة تثير الكثير من الجدل والاهتمام، خاصة مع تداول مقاطع مصوّرة توثق مشاهد دقيقة لاستهداف دبابات وآليات عسكرية إسرائيلية بأساليب غير مألوفة في حروب العصابات أو حتى المعارك التقليدية داخل المدن.
وفي هذا السياق، علّق اللواء فايز الدويري، الخبير العسكري والاستراتيجي، على هذه العمليات التي وصفها بأنها "غير مسبوقة" وتستحق الدراسة والتوثيق، ليس فقط على مستوى الفصائل المسلحة، بل من قبل الجيوش والقوات الخاصة حول العالم.
تصوير بثلاث كاميرات وتكتيكات دقيقة
في حديثه لقناة الجزيرة، قال اللواء الدويري إن الطريقة التي نُفذت بها عملية تدمير دبابة إسرائيلية في غزة مثيرة للإعجاب وتكشف عن تطور لافت في قدرات المقاومة الميدانية. وأضاف: "مجرد رؤية دبابة تزن 60 طنًا تتحرك وسط مدينة مدمّرة كفيل بأن يبعث القلق في النفس، لكن ما فعله المقاومون كان أبعد من التوقعات".
وبحسب الدويري، بدأت العملية بتسلل أحد المقاومين من نافذة لأحد الأبنية، ليمرّ بين الأنقاض ويتقدم نحو هدفه بهدوء، وصولًا إلى الآلية العسكرية. رغم ضخامة الدبابة وتجهيزها بأنظمة مراقبة وحماية متطورة، تمكّن المقاتل من الاقتراب منها، بل وإلصاق عبوة ناسفة من نوع "شُواظ"، قبل أن يسحب الصاعق ويفجرها بنجاح، في مشهد تم توثيقه عبر ثلاث كاميرات، في سابقة لم يُسجّل مثلها في تاريخ حرب العصابات أو القتال في المدن.
عملية يجب أن تُدرّس
وأكد الدويري أن العملية لا ينبغي أن تمر مرور الكرام، بل يجب توثيقها ودراستها في الكليات العسكرية ومدارس القوات الخاصة حول العالم، كونها تُجسد مزيجًا من الشجاعة، والتخطيط الدقيق، والمعرفة العميقة بأساليب التفوق على التكنولوجيا العسكرية المتطورة.
وأوضح أن مثل هذه العمليات المعقدة لا تُنفذ عشوائيًا، بل تعتمد على تخطيط مسبق ومعرفة دقيقة بتحركات العدو، مستدلًا بما كشفته هيئة البث الإسرائيلية، التي أكدت امتلاك المقاومة الفلسطينية معلومات دقيقة عن تموضع قوات الاحتلال وتحركاتها، وهو ما مكّنها من استهدافها بهذا الشكل المباغت والفعّال.
منظومة قيادة وسيطرة متقدمة لدى المقاومة
الخبير العسكري لفت إلى نقطة بالغة الأهمية، تتمثل في تطوّر منظومة القيادة والسيطرة لدى فصائل المقاومة، والتي وصفها بـ"الفعّالة جدًا". وأشار إلى أن هذه المنظومة تقوم على جمع المعلومات الميدانية بشكل مستمر، وبناء قواعد بيانات دقيقة، تُستخدم لاحقًا في عمليات التخطيط والتنفيذ، وهو ما يفسر المستوى العالي من الدقة الذي ظهرت به العمليات الأخيرة في غزة.
وأضاف الدويري: "عندما نرى عملية تُنفذ بتطابق شبه كامل مع المخطط المسبق لها، وبنجاح يصل إلى 98 أو 99%، فهذا يعني أن القائمين على التخطيط يمتلكون قدرات استثنائية في استشراف التفاصيل، ويعتمدون على معلومات استخباراتية موثوقة ومحدثة بشكل مستمر".
احترافية في اختيار الزوايا والأوقات
ولفت اللواء الدويري النظر إلى مشهد آخر من العملية، يُظهر أحد المقاومين وهو ينتظر لحظة مناسبة قبل التقدم نحو الدبابة، في مشهد يدل على احترافية فائقة في اختيار زاوية الاقتراب وتوقيت الهجوم.
وأوضح أن الدبابة كانت تتحرك ببطء، وفي منطقة ضيقة، وهو ما مكّن المقاتل من استغلال "الزاوية الميتة" أو المنطقة التي تفتقر إلى تغطية كاميرات المراقبة وأجهزة الاستشعار، ليتقدم منها دون أن يُكشف.
وأضاف: "اختيار مكان وزمان الهجوم بدقة، والاقتراب من الدبابة على بُعد أمتار قليلة، مع وعي تام بوجود وسائل الحماية المتطورة، يُثبت أن العملية لم تكن ارتجالية، بل ثمرة تخطيط مُحكم وتنفيذ جريء".
لحظة التنفيذ.. ثوانٍ حاسمة
بحسب اللواء الدويري، فإن الوقت الذي أُتيح للمقاتل الفلسطيني للتحرك وتنفيذ العملية كان لا يتجاوز ثوانٍ معدودة، خاصة مع وجود ما يُعرف بـ"الفيوز التأخيري" في العبوة الناسفة، الذي يمنح المقاتل فرصة محدودة للغاية لمغادرة المكان بعد تفجير الدبابة.
وقال الخبير العسكري إن قدرة المقاتل على التحرك بثقة ودقة في هذا الظرف الصعب، رغم أن المنطقة مكشوفة نسبيًا، تعكس مستوى عاليًا من التدريب والانضباط والجاهزية لدى عناصر المقاومة في غزة.