في زمنٍ تتوارى فيه الرموز، يبرز اسم العقيد الركن المتقاعد حسين علي حسين المحارمة كقصة وطنية ملهمة ونموذجٍ فذ لرجل جمع بين العسكرية والفكر، وبين الميدان والمجتمع، وبين البذل بصمت والعطاء بكرامة.
وُلد المحارمة في الأول من كانون الأول لعام 1952 في مدينة جرش، لأسرة أردنية عريقة من بلدة سحاب، وانتقل مع والده الذي كان يعمل في سلاح الفرسان بين عدة قرى وبلدات في شمال ووسط المملكة، فحمل منذ طفولته طابع التنقل والانضباط والجلَد، وتشرّب مبكرًا قسوة الحياة ومفاهيم الرجولة.
تقلّب المحارمة في مراحل التعليم بين مدارس الكرك والبلقاء والمفرق ونابلس والزرقاء، قبل أن يُكمل الثانوية العامة في مدرسة النصر الثانوية بالزرقاء، ثم ينتسب عام 1970 إلى الكلية العسكرية الملكية ليتخرّج ملازمًا في القوات المسلحة عام 1972، مبتدئًا خدمته في صحراء الأجفايف القاسية حيث تولّى قيادة فصيل في ظروف لا تحتملها إلا القلوب الصلبة.
طوال مسيرته العسكرية، تنقل العقيد المحارمة بين مواقع ميدانية واستراتيجية، من الأغوار إلى السلط، ومن جسر الأمير محمد إلى لواء الملك حسين، ثم إلى سرية المراسم الملكية التي قادها لاحقًا، ليمثّل الأردن في استقبالات القادة والزعماء، وليكون من رجالات الدولة الذين واكبوا القمم العربية ومناسبات الوطن الكبرى.
شارك في حرب تشرين عام 1973 من الخنادق الأمامية، وعاد بعدها ليكمل دراسته في جامعة مؤتة ويحصل على درجة البكالوريوس في العلوم العسكرية والإدارية عام 1989، ويخوض دورات عسكرية شاقة في الولايات المتحدة الأمريكية، ليعود ضابطًا مثقفًا متعدد المهارات والخبرات.
بعد رحلة حافلة بالعطاء في صفوف الجيش العربي، تدرّج خلالها في مناصب عليا، من مدير شؤون الدورات، إلى مسؤول المكرمة الملكية للطلبة العسكريين، إلى قيادة كتيبة تلاميذ الضباط في مؤتة، ثم سلاح الصيانة والخدمات الطبية الملكية، أُحيل العقيد المحارمة إلى التقاعد عام 1996 قبل أشهر قليلة من استحقاقه رتبة عميد، في قرارٍ ترك جرحًا عميقًا لكنه لم يمنع قلبه من مواصلة النبض لوطنه.
لم يتوقّف المحارمة بعد التقاعد، بل أصبح حجر أساس في مجتمع المتقاعدين العسكريين، فأسس جمعية الضباط المتقاعدين في لواء سحاب، وملتقى متقاعدي جنوب شرق عمان، كما انتُخب أمينًا لسر اللجنة الوطنية للعسكريين السابقين لعشرين عامًا متتالية، وكان عضوًا فاعلًا في مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة، وممثّلًا لهيئة الأمم المتحدة في مشاريع دولية.
رجلٌ لا يعرف الراحة، خدم بلاده بشرف، وعاش لأجلها بعزة، وطاف بلدانًا من الشرق إلى الغرب حاملاً صورة الأردن المشرقة؛ زار الولايات المتحدة، فرنسا، تايلند، الإمارات، سوريا، تركيا، لبنان، العراق، السعودية ومصر.
العقيد الركن حسين المحارمة.. ليس مجرد اسم في سجل الشرف العسكري، بل هو سيرة تستحق أن تُروى، وعنوان يُكتب بماء الذهب لكل من يسير على درب الكرامة والولاء والانتماء.