في أمسيةٍ أردنيةٍ دافئة، حلّ معالي صبري إربيحات، وزير التنمية السياسية وثقافة الأسبق ، ضيفًا على مائدة الفريق المتقاعد حميدي باشا الفايز، في منزله العامر بالعاصمة عمّان، برفقة ثلة من الأصدقاء ورفاق الدرب.
الفايز، أحد أعلام القوات المسلحة الأردنية وشيخ من شيوخ قبيلة بني صخر، هو من الرجال الذين تركوا بصمة لا تُنسى في ذاكرة الدولة الأردنية، فقد خدم بلاده وقيادتها لعقود، وكان قريبًا من جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، حيث مثّل صورة حية للوفاء والانضباط، وقدم نموذجًا ناصعًا لرجل الدولة والعسكر.
كتب إربيحات على صفحته الرسمية بكلمات تنضح وفاءً وتقديرًا، مستذكرًا أيامًا مضيئة من تاريخ الأردن العسكري والسياسي، وقال:
"بالنسبة لي ولجيلي من الأردنيين الذين عايشوا الربع الأخير من القرن العشرين، كان حميدي الفايز قائدًا للحرس الملكي ومستشارًا في الديوان الملكي لشؤون العشائر، وقد مثّل حضورًا راسخًا في الذاكرة الوطنية."
لم يكن حميدي الفايز مجرد قائد، بل كان صورة الجنرال البدوي الأنيق، الذي زيّن الشيب عارضيه، وانتظمت على صدره الأوسمة اللامعة، تعبيرًا عن التقدير لمسيرةٍ حافلة بالعطاء. تميّز بتيقّظه الدائم وحضوره اللافت، وتحركاته التي تجمع بين الرشاقة والمهابة، وخاصة في حضرة جلالة الملك، حيث تلمع عيونه كعيون الصقر، لا تفوته شاردة ولا واردة.
ما يزال الباشا، حتى بعد التقاعد، حاضرًا بحيوية وفرح، يكرم ضيوفه ويحتفي بهم، ويتحدث بعين تفيض حبًا كلما ذُكرت الكلية العسكرية أو رفاق السلاح الذين خدموا معه. وفي كل مناسبة، يذكّر من حوله بالنشيد الذي كان يفتتح به يومه:
"إني لأقسم بالإله... قسمًا تخر له الجباه... إني سأخلص للمليك... وللبلاد مدى الحياة..."
خلال اللقاء، اصطحب الفايز ضيوفه في حديث شيّق إلى بدايات القرن الماضي، مستعرضًا ملامح الحياة في البادية الوسطى، وقصص الأردنيين الذين شكلوا هوية هذا الوطن بقيمهم، ونبلهم، وفروسيتهم. حديثه كان امتدادًا لذاكرة لا تنفصل عن جذور الأرض، ولا تغيب عنها حكايات الشرف والكرامة.
وفي لحظة تأمل، توقف أبو نايف عند مفاصل الزمن التي اصطف فيها الأردنيون بحسّهم الغريزي لحماية الوطن، متسلحين بالعزة والكرامة التي ترفض الانكسار أو التنازل.
وختم إربيحات قائلاً:
"إن الجنرالات الذين خدموا هذا الوطن بإخلاص دون أن ينتظروا مقابلًا، هم رأسمال الأردن الحقيقي، وهم وديعته وذخره، الذين لا يتوانون يومًا عن تلبية نداء الواجب، فهم لا ينتظرون...