لم تكن لحظة الرحيل عابرة، ولم يكن الخبر كغيره من الأخبار... فقد هزّ الأرض تحت أقدام محبيه، وأبكى الحجر، وأوجع القلوب التي عرفته ضابطًا عسكريًا نبيلاً، وأبًا حنونًا، وإنسانًا شامخًا بفروسيته وخُلقه وطيب قلبه.
الرائد المظلي مراد المعايطة، من خيرة أبناء الجيش العربي الأردني، عرفته ساحات الواجب بصدق الانتماء وعلو الهمة، وخبرته أرض أفغانستان جنديًا يحمل الدواء والرحمة قبل السلاح، يُسعف الأطفال، ويحنو على الشيوخ، ويساند النساء، ويزرع الطمأنينة في وجع الشعوب.
لم يُعرف فقط ببدلته العسكرية، بل بمعاني الإنسانية التي جسّدها في كل مكان وطأته قدماه... كان وجهه وجه وطن، وصوته صوت أمان، وعزيمته لا تعرف التعب.
ورغم أن وفاته لم تكن في مهمة قتالية تُصنّف ضمن الشهادة العسكرية، إلا أن من يعرف "مراد" يدرك أن الشهادة كانت تسكن قلبه، وأن الوطن كان صلاته الأولى ومحرابه الدائم.
ترك خلفه زوجة مخلصة، النقيب "أميرة المعايطة"، التي تقف اليوم على جبهة العمل العسكري بكل عزة وكبرياء، وطفلين هما مرآة وجهه وامتداد رسالته:
عون، الصغير الذي يحمل من اسمه الرجاء، ومن والده الكبرياء، ولُجين، ابنة الجامعة والمستقبل، التي ما زالت تضع حلم أبيها في قلبها وتخطّ به دربها نحو العلا.
مراد لم يمت... بل صعد، ارتقى، وحلّق حيث يليق به المقام، وبقيت روحه تحلّق في سماء الوطن، تظلل أبناءه، وتلهم أجياله، وتقول:
"من أحب وطنه لا يرحل... بل يبقى خالدًا في ذاكرة الأردنيين".
سلامٌ عليك يا مراد...
سلامٌ على قلبك النقي، وسيرتك التي لم تُلوثها الأيام، ووفائك الذي لم يَخُن راية الأردن يومًا.
نم قرير العين أيها البطل، فذكراك خالدة، ووجعك محفور في صدورنا، واسمك لن تغسله الأيام... بل سيكبر معنا، ويرافقنا...