تمرّ الأوطان أحيانًا بلحظات فارقة، تُختبر فيها صدق الانتماء، وتُكشف فيها المعادن الحقيقية لأبنائها. والأردن اليوم، بما يواجهه من تحديات جسام وضغوط إقليمية معقدة، يقف في عين العاصفة؛ محاطًا بصراعات دولية محتدمة، ومجاورًا لعدو لا يتورع عن استغلال كل لحظة ضعف أو تردد.
في مثل هذه اللحظات، يعلو السؤال: من لم يكن خلف قيادته، فخلف من؟!
إنه سؤال وطني، أخلاقي، بل وجودي… فمن لا يرى في قيادته الشرعية صمّام أمانه، ودرع استقراره، فإلى من يركن؟ أإلى من لا يرى في الأردن سوى ساحة نفوذ؟ أإلى من يتربص به الدوائر؟ أم إلى الفوضى التي لا تبقي ولا تذر؟
لطالما شكّل الأردن نموذجًا في التوازن والحكمة، بقيادته الهاشمية الراسخة، التي اختارت على الدوام الانحياز إلى الكرامة الوطنية، وحقوق الأمة، رغم ضيق الخيارات وكثرة الضغوط. هذه القيادة التي لم تفرّط بثوابتنا، ورفضت التنازل عن القدس، وتحملت عبء القضية الفلسطينية، رغم قلة الإمكانيات وكثرة التحديات.
وإننا في هذا المقام، نؤكد أن القضية الفلسطينية هي قضيتنا الأولى، ليست شعارًا، بل التزامًا راسخًا في ضمير الدولة الأردنية، وفي وجدان شعبها. فكل من يحاول أن يختصر دور الأردن أو يساومه على موقفه من فلسطين، لا يعرف شيئًا عن هذا الوطن. إنّ تمسك الأردن بالثوابت، وعلى رأسها حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على ترابه الوطني، ليس موضع نقاش، بل ركيزة في سياسة الدولة، من رأسها إلى قاعدتها.
وفي خضم الصراع الإقليمي بين قوى تتنازع النفوذ وتعيد رسم خرائط المصالح، يظل تماسك الأردن – قيادةً وشعبًا – خط الدفاع الأول عن استقراره وكرامته ودوره. فبفضل هذا التماسك، ظل الأردن على الحياد الإيجابي، لم ينزلق إلى محاور، ولم يرضخ لضغوط، بل اختار أن يوازن بين مصالحه ومبادئه، وأن يكون عونًا لأمته، لا تابعًا لأحد.
ولا يعني هذا الدعوة إلى تعطيل النقد، أو تجاهل المطالب الشعبية، فالنقد البناء حق، والمطالبة بالإصلاح واجب. لكنّ التفريق بين المعارضة الوطنية وبين الطعن في الشرعية فرق جوهري. ففي وقت التهديد الخارجي، يصبح التماسك الداخلي ضرورة أمن قومي، وليس ترفًا سياسيًا.
إنّ القيادة التي حافظت على الأردن وسط العواصف، والتي جنّبته السقوط في دوامات العنف التي طحنت غيره، تستحق أن نقف معها لا أن نقف منها موقف المتفرج أو المتشكك. فبغير هذا الاصطفاف، نترك فراغًا سرعان ما تملؤه أطراف لا تريد الخير لهذا البلد، ولا تفهم معنى "الأردن أولاً”.