في مسيرة الوطن المباركة، تبرز أسماء خالدة تركت أثرًا لا يُمحى في صفحات التاريخ الأردني، ومن بينها سماحة قاضي القضاة السابق، فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الكريم الخصاونة، الذي جسّد على مدى عقود نموذجًا فريدًا لرجل الدين المستنير، والعالم المعتدل، والقائد الذي جمع بين الفقه، والقضاء، والخدمة العامة.
وُلد الشيخ الخصاونة عام 1944 في بلدة إيدون بمحافظة إربد، وتخرج في كلية الشريعة من جامعة دمشق، ليبدأ بعدها مسيرة علمية وعسكرية ودينية حافلة بالعطاء. تنقّل بين المواقع والمناصب، فكان مفتيًا للقوات المسلحة برتبة لواء، ثم مفتيًا عامًا للمملكة، فرئيسًا لمجلس القضاء الشرعي، فـقاضيًا للقضاة، جامعًا بين الرصانة العلمية والحضور المجتمعي.
برز دوره في الحفاظ على هيبة الفتوى الشرعية، وضبط الخطاب الديني، ومواجهة الفكر المتطرف بالحكمة والمنهج الوسطي. لم يكن مجرد مسؤول في موقع رسمي، بل كان مرجعًا روحيًا ووجهًا وطنيًا، حمل همّ الوطن في قلبه، وخاطب الناس بلسان الصدق والعلم.
عُرف عنه صدقه، وتواضعه، وقوة حجته، وثبات مواقفه. وقف في وجه كل ما يُهدد النسيج الاجتماعي والديني، ودعا إلى وحدة الصف، ونبذ الخلاف، واستثمار الزكاة والصدقات في خدمة الوطن والمحتاجين فيه، في وقت اشتدت فيه الحاجة إلى الكلمة المسؤولة والموقف الرشيد.
الشيخ عبد الكريم الخصاونة لم يكن فقط رجل دين، بل كان ابن الدولة الأردنية، وابن رسالتها الإسلامية السمحة، يُجالس العلماء ويستمع للمواطنين، ويكتب الفتوى كما لو كانت عهدًا أمام الله والناس. وهو اليوم، وقد تقاعد عن المناصب، ما يزال رمزًا ومرجعًا، يُشار إليه بالبنان.
في زاويتنا "رجالات وطن"، نُسجّل بمداد الوفاء اسم سماحة الدكتور عبد الكريم الخصاونة، وندعو له بطول العمر ودوام الصحة، وأن يظل منارة تهدي الأجيال وتُعلي راية الحق والعقل في زمن كثرت فيه الأصوات وقلّت فيه البصائر.