سحب الأسهم، وهو ما انعكس على ستاندرد اند بورز وتراجع ناسداك أخيراً، في ظل انسحاب السيولة إلى سندات الخزانة.. وهو أمر منطقي جداً، مع الخوف من حالة ركود محتمل وباستمرار الفيدرالي في تشديد السياسة النقدية".
الثلاثاء، خسر مؤشر داو جونز الصناعي 454 نقطة (بنسبة 1.3 بالمئة)، وهو أكبر انخفاض له منذ مارس إبان انهيار سيليكون فالي. كما تراجع ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 1.4بالمئة، وكذلك ناسداك بنسبة 2 بالمئة.
وواصلت الأسهم الأوروبية الخسائر، الثلاثاء، وسط ضغوط ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية والدولار على الأصول عالية المخاطر مثل الأسهم والسلع الأولية، فيما أثرت توقعات متشائمة من قطاع الوساطة المالية على شركات بيع الأزياء بالتجزئة.
وأشار معطي إلى انعكاسات ذلك الارتفاع على أسعار الأسهم، وكذلك الذهب، موضحاً أن "الارتفاعات هناك والتراجعات هنا، جميعها عوامل تأتي من حالة الخوف من الدخول في حالة ركود تضخمي، ترتفع فيه الضغوط التضخمية مع تراجع النمو".
واستمرت عمليات بيع الذهب الثلاثاء وسجل أطول سلسلة خسائر منذ أغسطس 2022 في الجلسة الأخيرة، بعدما أكد مسؤولو مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) احتمال بقاء أسعار الفائدة مرتفعة.
وتجدر الإشارة إلى أن صناع السياسة في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أشاروا إلى عدم الاتفاق حول ما إذا كانت هناك حاجة إلى رفع أسعار الفائدة مرة أخرى قبل نهاية العام، لكنهم متفقون على أن أسعار الفائدة يجب أن تظل مرتفعة لفترة طويلة من الزمن.
وتستخدم لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية التابعة للبنك المركزي زيادات أسعار الفائدة لخفض التضخم الذي يعتبره المسؤولون مرتفعاً للغاية على الرغم من انخفاض السعر بشكل كبير عن ذروته في منتصف العام 2022.
معدلات التضخم
خبير أسواق المال، حسام الغايش، قال في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه رغم أن الفيدرالي الأميركي لم يقدم على رفع الفائدة في اجتماعه الأخير، إلا أن معدلات التضخم لا تزال مرتفعة وإن كانت بوتيرة أبطأ (فيما لا تزال أقل من المعدل المستهدف عند 2 بالمئة) وبما يفتح الباب أمام البنوك المركزية لمزيد من رفع الفائدة.
وأشار إلى أن استمرار هذا الاتجاه من شأنه أن يسهم في استمرار توجيه الاستثمارات من الدول الأكثر مخاطرة للأسواق الأقل مخاطرة، وهو ما تستفيد منه سندات الخزانة الأميركية التي تحمل درجة مخاطرة أقل، وهي مؤمنة بشكل كبير جداً، وبالتالي تندفع السيولة إليها، لا سيما الاستثمارات غير المباشرة عبر صناديق الاستثمار والمؤسسات المالية.
ورصد خبير أسواق المال إلى تأثير ارتفاع عوائد سندات الخزانة، لا سيما طويلة الآجل، على أسعار الذهب وأسواق الأسهم، وكذلك ما تحمله من مؤشرات تساعد الفيدرالي الأميركي في قراره القادم بخصوص أسعار الفائدة، على النحو التالي:
يؤثر ارتفاع عائدات سندات الخزانة على سوق الأسهم، إذ تنسحب السيولة من هذه السوق إلى السندات، كوسيلة مُدرة لعوائد مضمونة.
لا نستطيع أن نجزم بشكل كامل بأن التأثيرات كبيرة، فهي ترتبط في جميع الأحوال بدرجة المخاطر الجيوسياسية الناجمة عن التطورات التي يشهدها العالم، ومدى تطورها.
إذا ما كانت درجة المخاطر كبيرة، يكون هناك انسحاب للسيولة بشكل أكبر من أسواق المال باتجاه سندات الخزانة.
أما أسعار الذهب، فهي مرتبطة أكثر بعمليات التحوط، وبنفس درجة الارتباط المذكورة بالمخاطر الجيوسياسية التي تشوب عديد من المناطق حول العالم، وتدفع صناديق الاستثمار والمؤسسات المالية والدول للتحوط.
وأفاد بأن ذلك يعد مؤشراً من ضمن المؤشرات التي يتخذها الفيدرالي الأميركي لدى اتخاذ قراره المقبلة، لا سيما أن ارتفاع عوائد السندات يعني وجود إقبال كبير عليها، خاصة طويلة الأجل لعشر سنوات، مشدداً على أن استمرار الموجة التضخمية تحدد مصير تلك الاتجاهات، إذ يمكن للفيدرالي رفع الفائدة حال تصاعد الضغوط التضخمية أو تجاهلها (لجهة التثبيت) حال كانتا ارتفاعات معدلات التضخم بشكل محدود.
تسارع معدل التضخم السنوي في أميركا خلال أغسطس الماضي، بأكثر من المتوقع بسبب الزيادات في أسعار الوقود، الأمر الذي يضع ضغوطا على الفيدرالي الأميركي بشأن إنهاء موجة التشديد النقدي.
أظهرت بيانات وزارة العمل الأميركية، ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين، خلال أغسطس، بأكبر وتيرة في 14 شهرا، مسجلا 3.7 بالمئة على أساس سنوي، مقابل 3.2 بالمئة في يوليو.
وزادت فرص العمل في الولايات المتحدة على غير المتوقع في أغسطس، وهو ما قد يدفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى رفع أسعار الفائدة الشهر المقبل.
وقالت وزارة العمل في مسحها الشهري عن فرص العمل ومعدل دوران العمالة، الثلاثاء، إن فرص العمل أو الوظائف الشاغرة، وهي مقياس للطلب على العمالة، قفزت 690 ألفا إلى 9.610 مليونا في اليوم الأخير من أغسطس. وعُدلت بيانات يوليو بالرفع لتظهر وجود 8.920 مليون فرصة عمل بدلا من 8.827 مليون في القراءة السابقة.
رفع الفائدة
وفي السياق، أشارت خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، في حديثها مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى تأثيرات أزمة رفع سقف الدين الأميركي، والمشكلات الحادثة بين الكونغرس والخزانة وملف الإغلاق الحكومي، ضمن أبرز العوامل التي تفرض نفسها على المشهد الاقتصادي بالولايات المتحدة في الفترة الحالية، جنباً إلى جنب والسياسات التي يتبعها الفيدرالي الذي اتجه أخيراً للإبقاء على أسعار الفائدة، لكن جيروم باول، رئيس البنك، ألمح إلى الاتجاه لمزيد من الرفع حتى ولو بمعدلات ضئيلة من أجل الحد من التضخم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن العجز المالي المرتفع باستمرار يشكل أحد العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض. فيما ارتفع الدين العام إلى أكثر من 32.3 تريليون دولار هذا العام. وارتفعت الديون إلى ما يقرب من 120 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.
وأضافت: "رفع الفائدة جاء لزيادة قوة الدولار مقابل سلة العملات، وقد حققت العملة الأميركية أخيراً مكاسب لمدة أربع أسابيع متوالية، وفي ظل ارتفاع عائد أذون الخزانة لمدة 10 سنوات في ضوء تبعات تلك السياسة المتشددة".
ورأت أن ارتفاع عوائد أذون الخزانة على ذلك النحو من شأنه أن ينعكس بشكل سلبي على أسواق المال وأسعار الذهب، لا سيما وأن المعدن الأصفر يسير عادة عكس الفائدة وقوة الدولار.
وقالت إنه فيما يخص أسواق المال، فإنها -مع ارتفاع عوائد أذون الخزانة- عادة ما تكون حذرة من ذلك النمط من السياسات النقدية المتبعة، لأنها تؤدي لارتفاع تكلفة الاستثمار، وتؤدي إلى انصراف المتعاملين في أسواق المال والاتجاه إلى الادخار أو الاستثمار في سندات الخزانة.
وأفادت بأن تأثيرات تلك السياسات ومع ارتفاع عوائد أذون الخزانة، فإن ذلك من شأنه أن يُحدث تأثيرات تتجاوز حدود الولايات المتحدة، وصولاً إلى الاقتصاد العالمي، ولا سيما الدول غير المرتبطة بالدولار، في وقت تضطر معه البنوك المركزية لاحتواء تلك التحديات بمزيدٍ من رفع أسعار الفائدة في محاولة لإيجاد جاذبية استثمارية لسنداتها (..).
وأضافت: "تتفاوت حجم التأثيرات من بلد لآخر ومن سوق مال لآخر حسب قوة ارتباطه بالدولار الأميركي".
وتماشى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، مع معظم التوقعات في اجتماعه الأخير، وأبقى على معدلات الفائدة كما هي دون تغيير. وقال البنك في بيان له إن قرار لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة، الإبقاء على سعر الإقراض الرئيسي بين 5.25 بالمئة و5.50 بالمئة، يمنح المسؤولين الوقت "لتقييم المعلومات الإضافية وتبعاتها على السياسة النقدية".
وأظهرت توقعات الفيدرالي، أن أسعار الفائدة قد تظل مرتفعة لفترة أطول من أجل خفض التضخم إلى الهدف المحدد، فبينما ثبت توقعاته لمعدلات الفائدة هذا العام عند 5.6 بالمئة، فقد رفعها للعام المقبل إلى 5.1 بالمئة مقابل 4.6 بالمئة في التوقعات السابقة، وكذلك الحال في عام 2025، حيث رفع توقعاته للفائدة عند 3.9 بالمئة، مقابل 3.4 بالمئة في التوق