كانت من اعزِّ امنياتي ان ازور جنوب افريقيا ،.. قرات عنها الكثير ... عن نضال اهلها، عن انتصارات شعبها في القضاء على الظلم والاضطهاد والتمييز .
في ديسمبر كانون اول 2013 سافرت على طائرة ( Virgin Atlantic ) بتكليف من BBC لتغطية فعاليات تشييع البطل الافريقي الرئيس نيلسون مانديلا.... وصلت مطار جوهانسبيرغ الساعة الخامسة صباحًا... معي هاتفان لكنهما بحاجة الى شحن ... دفعت اجرة على شحنهما في محل لبيع الهواتف.. بعدها اجريت اتصالا مع زملاء في الاذاعة العالمية موفدين من لندن ونصحوني بان اذهب الى مدينة سويتو التي تَحْفَل ببرنامج يشمل عدة فعاليات، وتعهدوا بايجاد منامة لي... كان بامكاني الذهاب الى فندق - هوليدي إن - حيث حجزت الاذاعة جناحا كاملا لموفديها الى هذا الحدث الجلل.
في سويتو استاجرت سريرا في بيت عائلة ثم انطلقت الى السوق .... كان الوقت بعد الغروب لان البحث عن السكن وتوقيع العقد اخذ وقتا طويلا... دخلت الى بقالة فيها سيدة كانت تبدو فوق السبعين والى جوارها طفلة دون العاشرة... طلبتُ منها شريحة هاتف ( Sim ) ... قالت لي انها لا تبيع لوازم الهاتف ، وطلبت من الطفلة ان تذهب الى مكان مجاور وتستدعي شخصا تعرفه... جاء الرجل وكلفته السيدة بالذهاب الى احد المولات ليشتري لي ما اريد وطلبتْ مني اعطاءه مبلغا قليلا من المال... عاد الرجل ونجحنا في تشغيل الهاتف المحلي لكي استخدمه للتوفير على الاذاعة لان الاتصال على هاتفي الانجليزي مكلف جدا.... شكرتُ السيدة وعدت الى منامي... كنت مجهدا وذهبت في نوم عميق.... في الصباح اكتشفت ان هاتفي الانجليزي مفقود ... بحثت عنه في كل مكان وعند زملائي الذين قابلتهم امس ولم اعثر عليه... خطر ببالي ان اسال السيدة صاحبة البقالة على خجل ... صباح الخير يا سيدتي... اهلا وسهلا كنت اعرف انك ستعود ... طلبتْ من الطفلة ان تفتح الخزانة البعيدة وتحضر هاتفي... اخذتُ هاتفي فَرِحا مسرورا وذهبت الى السوق وهناك اردت تشغيل هاتفي الانجليزي لكني فوجئت بانه بلا شريحة... عدت الى السيدة... قالت لي انا وضعتها في محفظة الهاتف حتى لا يستطيع احد غيرك استخدامه. ...
لقد رددت اليَّ روحي ايها السيدة العظيمة ... هاتفي كان يحمل ارقام العمل والاصدقاء وكل ما يتعلق بالاذاعة والتلفزيون... ضياعه كان يشكل كارثة حقيقية.
امانة بعض الناس لا يمكن ان تقدرها بثمن ... هي سلوك اخلاقي انساني رفيع، يسمو على المال والاملاك والعقارات... لم تعطني هذه السيدة مالا لكنها ملكت قلبي وصنعت معي معروفا لا يمكن ان انساه... واتمنى يوما لو عدت الى بلادها لكنت قد ذهبت اليها اولا حتى اقبِّل يدها والثم جبينها.