استقوفتني عبارة "اقتصاد اليقين" نشرها د. عامر الحافي يوم الإثنين ٢٠٢٠/٧/١٣ على موقع في الفيس بوك في جملة " الإقتصاد باليقين عُدَّة العقلاء والمتّقين"، ويعني بذلك عدم الإسراف والمبالغة بادعاء الاستحواذ على الحقيقة.
وأقول، أن الحقيقة المطلقة هي عند الله وليس عندنا نحن البشر، وأنَّ العقلَ الراجح هو الذي يسعى للبحث الدائم عن الحقيقة، وأنَّ العقل المتزن هو الذي ينبذُ مبدأ اقصاء الآخرين وفكرهم وقناعاتهم وعقائدهم، وهو العقل الذي بِرَزَانةٍ ومسؤولية يفرز مساحة للحوار العقلاني المبني على المشتركات والمنطلقات الإنسانية التي تجمع جميع بني البشر " كلكم من آدم وكلم من تراب"، "وأكرمكم عند الله أتقاكم"، "والله لا يحابي الوجوه بل في كل أمة الذي يتقه ويصنع البر مقبول لديه".
إن عقدة الأفضلية عقدة سادت الشعوب منذ فجر التاريخ، فهو شعور بتفوق أعراق على أخرى وأجناس على أخرى وشعور بتفوق أديان على أخرى، وتقود إلى مشكلة كبرى في شيطنة الآخرين والغائهم، لا وبل العمل على محيهم بكل السبل والوسائل.
عالم اليوم ورغم تقدمه في شتى علوم الحياة ومناحيها، إلا أنه هناك تقهقهر وتراجع في إنسانيته ومبادئه السماوية التي غرسها الله في قلب ونفوس البشر وضمائرهم. والمنافسة التي يجب أن تكون بين بني البشر اليوم هي منافسة لعمل الخير والسباق في الحسنى والمساهمة الفضلى في تقدم الحضارة البشرية لا تقهقرها للوراء.
وربما نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى وقفة مع ثقافتنا الدينية التي نتعلمها من مصادرة عدة، والتي قد تجعل منا إما متعصبين منغلقين أو منفتحين على الآخرين رغم كل الاختلافات. لقد استغل المستغلون الدين ورسالته السمحة لزرع الفتن الطائفية والدينية بين أبناء الشعب الواحد، من خلال سياسة فرق تسد. والسؤال، متى نقف في وجه المتسلقين والمارقين المأجورين ونصرح معاً بصوت واحد الله أكبر على كل الفتن، الله أكبر على استغلال الدين لمآرب سياسية أو سلطوية أو استعمارية، الله أكبر على مريدي مستقبل بلادنا للتجهيل والتفقير والتخلف.
لا بد من أن نعود لنظرتنا الأساسية للدين من الزاوية الإنسانية، ونرى قيمة الإنسان الحقيقية كما أرادها الله، ودورنا أن نرتقي بهذه الإنسانية إلى أسمى معانيها وقيمها. فمهما كانت عقائدنا وقناعاتنا الدينية مختلفة، فهي يجب أن تبقى محط احترام وتقدير من الجميع من منطلق الحرية الفكرية والدينية " لا اكراه في الدين"، وبأن الإيمان يقبل بإرادة الإنسان وقناعته وليس بالتاثير عليه قسرا " أنا واقف على الباب وأقرع .."
إننا نستعيد للأذهان وثيقة " الإخوة الإنسانية" الموقعة بين قداسة البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب في أبو ظبي في الرابع من شباط 2019، والتي تعتبر خارطة طريق لمجتمع إنساني مؤمن بقيم السماء وقداسة الحياة الأرضية، فهي صرخة الله أكبر على من يريد من مشرقنا وعالمنا الويلات والدمار.
فالله أكبر على كل من تسول له نفسه ضرب إنسانيتنا ومجتماعاتنا ووحدتنا وتراثنا المشرقي.