منذ ألفٍ وأربعمائةِ عامٍ لم أكن موجوداً، لكن كيف أصبت في قلبي لأهتدي؟
خرجتُ من هذا المكان بعد صراع مع حبل الخير والحياة، صوتٌ هناك يقول اسميه يحيى، خرجتُ بمنطقةٍ تضجُّ بالتكبيراتِ في أُذناي، كنت لا أستطيع الكلام، لكن شيئاً ما في وسط الكلام الذي كان يقال في أذني اليمنى وعلمت اسمه عندما كبرت كان"الأذان" اخترق قلبي وجعلني أكفُّ عن البكاءِ واسترخي، كأنه طبطبةٌ على قلبي بعد صراعٍ في رحِ الفصلِ بينَ حياةٍ بسيطةٍ لمدة تسع أشهر ودنيا لا أعلمُ كم من السنين سأخوضُ بها.
كبُرتُ وبدأتُ أتعلثمُ بالكلام، أسيرُ خطوةً وأسقط، كنت أرى أمامي والداي يقومان بسكب الماء على أطرافهم ويحملان بين يديهما قطع من القماش المزيّنِ ذي الرائحة الزكيّة، لم أعلم ما هو لكنني مازلتُ أنظر، اخترقني ذلك الصوت مجددا، سمعتُ "حي على الصلاة"، نظرت لشرفةِ المنزلِ وخيوطُ الشمسِ الذهبيّةِ تسقطُ على القماشِ الذي كان بين يدي والداي، جاءَ كلٌّ منهُما مبتسماً وكأنّه في راحةٍ وطمأنينةٍ لا مثيلَ لها
قال أبي: احضري ابننا يحيى إلى هنا ليتعلّم ويعتادَ ويستشعرَ معنى الصلاة.
لم أفهم ما هي هذه الصلاة أو ماذا يجب أن استشعر لكنني أستشعر حقا ويقشعر بدني كلما سمعت "الأذان" أو رأيتهم يستعدون "للصلاة".
احضرتني أمي وبدأتْ تمتماتهم تلامس فؤادي وصوت أبي يحتل أركاني، ضحكت وجلست أنتهز فرصة السلام الداخلي الذي أعيشه كل يوم في أوقات مختلفة.
غفوت بسلام، ها هو والدي الأن ينده لي ليسمّع لي أخر ما حفظته من كتاب الله، وها هي أمي تأتي لتسكب الفرح في زوايا بيتنا لأنني ألبستهم تاج الوقار، شيخ الحارة جعلني أخطب خطبة الجمعة، أبناء مدرستي يتعلمون مني علوم القرأن، أساتذتي يجلسون معي كل أسبوع، نجحت بالثانوية وفي علوم القرأن، وأخيرا دُست بساط الجامعة، هناك يقولون جاءَ الشيخ وذهب الشيخ، شعور لا مثيل له، فهذا لقبٌ يفخر به كل من يحمله بحق، جاء صالح وأصبحنا أصدقاء، خرجنا سويا أياماً كثيرة، سهرة اليوم تضج بالشباب، كلما وجدنا مذنب أقمناه، كم هو جميل أن ترشد غيرك للفلاح، سهرة أخرى وغريبة نوعاً ما، دخنة في كل مكان، بدأ رأسي بالدوار، كيف يضعف الإيمان؟
أين ذهب السلام، زجاجات تسقط وسجائر في كل مكان، أين أنا الأن؟
ذهولٌ وتغيّبٌ للوعي ومعاصٍ منتشرةٌ في المكان، كيف تغير الحال؟
صوت إنذارات وسلاسل تلتف حول الساقي، يحيى مذنب، ولا مفر من العقاب، لم ينتشلني من هذه الدوامة سوى صوت بكاء والداي، كلماتهم تحتل ثنايا عقلي، ماذا فعلت يا غلام؟
أين الصلاةُ والقرأن، أين الفلاح والوقار.
عقارب الساعة تدقّ في المكان، فراغٌ وجرعاتُ دواءٍ ووَحدة، الساعة أصبحت واحدة، نظرت للمرآة وجدتُ السّواد يلتفُّ حول عينيّ، بربك أتعصي الله بعد الإيمان؟
قم يا يحيى وعد إلى ربك قبل فوات الأوان، قمتُ بفزعٍ، توضأت وتشاهدت وقمت أقابل الرحمن، اللهم اغفر لي ذنبي فأنا إنسان، اللهم اهدني إلى سراطك المستقيم فإني تبت الأن.
يحيى تفضل يا بُني واخرج أنت معافى، فتحت الباب واحتضنت والداي وخارت قِواي تحت أقدامهم نادمة، أطلب الرضى والسماح.
قالت لي أمي: قم وقاوم نفسك الأمّارة بالسوء وعد إلى المنان.
قال أبي: نشأت على الإسلام، ثم ضعفت للشهوات وأذنبت، فهذا ليس للدوام، قم يا يحيى فالله نجاك من الشيطان وأعادك لتحيي بداخلك الإسلام.
ها أنا ذا، في صحبة القرأن، بين يدي الرحمن، فإن أذنبت ومازلت على قيد الحياة، فهذه صحوة وما زال هنالك متسع من الوقت، عد فالله ينتظرك حتى وإن عدت إليه مثقلاً بالذنوب، فالله ينتظرك بذنوبك لا بحالة طهر ملائكي، عد فكلنا إلى الله سنعود ذات يوم.
منذ ألف وأربعمائة عام لم أكن موجود بين رسول الله وادعوا إلى الإسلام، لم أعش وقتها لكن الإسلام عاش بي فنحن أحباب الرسول وقد زرع الله بنا ثمرة الإيمان، لم أكن موجوداً لكن الإسلام كان ومازال.