لم يكن المنخفض الجوي الأخير عاصفة خارقة ولا حدثًا نادرًا، لكنه كان كافيًا ليفضح بنية تحتية وُقِّعت على أنها منجزة، فإذا بها تسقط عند أول اختبار. ما شهدته بعض البلديات والمحافظات لم يكن مجرد تجمعات مياه يمكن تبريرها هندسيًا، بل انهيارات صريحة: طرق تفتتت، إسفلت انسلخ، عبارات انهارت، وشوارع أُغلقت كليًا بعد ساعات قليلة من المطر.
الحديث المتكرر عن "حدود شبكات التصريف” لم يعد مقنعًا. فالمشكلة لا تبدأ عند عدم استيعاب المياه، بل عند انهيار الطريق نفسه. في الدول التي تُحترم فيها المواصفات، قد تتعطل الحركة مؤقتًا، لكن البنية تصمد. أما هنا، فكثيرًا ما لا تستوعب المياه ولا تصمد الطرق، وكأن الجودة كانت بندًا قابلًا للتنازل.
المنخفض الأخير أسقط الرواية الجاهزة بأن ما يحدث "طبيعي ويحدث في كل دول العالم”. الفارق ليس في الامطار، بل في البنية التحتية هناك، لا تتحول الأمطار إلى ورش إعادة بناء، ولا يُستنزف المال العام بعد كل شتوة. هنا، يتحول المطر إلى كاشف لفشل التصميم، ورداءة التنفيذ، وغياب الرقابة، ثم يُطلب من الناس التصفيق للتبرير.
الأخطر أن بعض المواقع المنهارة حديثة التنفيذ أو خضعت لصيانة قريبة، ما يعني أن الخلل ليس تقادمًا ولا إهمال سنوات، بل خللًا طازجًا وموثقًا. وهذا يضع المسؤولية مباشرة على من صمّم، ومن نفّذ، ومن راقب، ومن استلم، لا على الغيوم ولا على الطقس.
ما حدث ليس قضاءً وقدرًا، بل فشل إداري وهندسي متكرر. فالهندسة ليست خطابًا بعد الكارثة، بل التزامًا قبلها. وحين تسقط الطرق مع أول مطر، فإن القضية لم تعد مناخية، بل قضية محاسبة.
المطر مرّ وانحسر، لكن السؤال باقٍ: هل ستُفتح ملفات المسؤولية، أم سننتظر المنخفض القادم ليكتب التقرير نفسه… بطريقٍ آخر؟