لم يعد ملف النظافة العامة في الأردن شأنًا خدميًا هامشيًا، بل تحوّل إلى قضية ذات بعد وطني وسلوكي، تحظى باهتمام مباشر من القيادة، وعلى رأسها سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني.
خلال اجتماع ترأسه سمو ولي العهد مؤخرًا، وُضع ملف النظافة في صلب النقاش، باعتباره انعكاسًا مباشرًا لوعي المجتمع، واحترامه للفضاء العام، ولصورة الدولة داخليًا وخارجيًا. الاجتماع لم يكن بروتوكوليًا، بل حمل رسائل واضحة بضرورة الانتقال من التنظير إلى التطبيق، ومن التوعية إلى المساءلة.
وفي لفتة ذات دلالة أخلاقية عميقة، استشهد سموه بسيرة جدّه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في التأكيد على أن النظافة ليست سلوكًا حضاريًا حديثًا فحسب، بل قيمة أصيلة ومتجذرة في الثقافة الإسلامية والإنسانية، وجزء من منظومة الأخلاق العامة التي تُبنى بها المجتمعات المستقرة.
اللافت أن التوجيهات لم تبقَ في إطار الخطاب. فقد استجابت الحكومة سريعًا عبر وزارة البيئة، التي شرعت بتركيب نحو 300 كاميرا مراقبة في مواقع مختلفة لرصد مخالفات رمي النفايات، إلى جانب تفعيل نظام الغرامات بحق المخالفين، في خطوة تعكس انتقال الدولة من مرحلة التوعية وحدها إلى الجمع بين الردع القانوني والمسؤولية المجتمعية.
هذه الإجراءات لا يمكن قراءتها بمعزل عن رؤية أوسع يقودها ولي العهد، تقوم على ترسيخ ثقافة المواطنة الفاعلة، حيث لا تُختزل المسؤولية في المؤسسات الرسمية فقط، بل تُحمّل للفرد والمجتمع معًا. فالنظافة هنا ليست قضية بيئية فحسب، بل مؤشر على احترام القانون، والفضاء المشترك، والحق العام.
يكتمل هذا التوجّه حين تُدمَج شراكة القطاع الخاص والمبادرات الشعبية مع الفعل الحكومي. فالقطاع الخاص قادر على دعم برامج الفرز وإعادة التدوير، وتمويل حملات التوعية ضمن مسؤوليته المجتمعية، بينما تُحوّل المبادرات الشعبية التوجيه الرسمي إلى سلوك يومي راسخ في الأحياء والمدن.
نجاح أي سياسة نظافة يرتبط كذلك بمتانة البنية التحتية، من حاويات كافية، ونقاط جمع وفرز واضحة، وجدولة منتظمة، بما يقلّل المخالفات قبل وقوعها. وفي هذا السياق، يشكّل إنفاذ القانون عبر الكاميرات المتحركة المثبّتة على المركبات نقلة نوعية، لأنها توسّع نطاق الرقابة وتكرّس عدالة التطبيق دون استثناء.
هذه المقاربة المتكاملة، التي تجمع التوجيه، والتنفيذ، والرقابة، ونشر الوعي، تهدف أساسًا إلى تعديل السلوك لا الاكتفاء بالعقوبة.
الأثر المباشر يتمثّل في حماية الصحة العامة، وصون عناصر البيئة، وخفض كلفة إدارة النفايات، وتحفيز الاقتصاد الدائري عبر إعادة التدوير وتحويل النفايات إلى مورد اقتصادي.
ما يميّز هذا التوجّه أنه يربط بين القيم، والسياسات، والأدوات التنفيذية. توجيه من القيادة، استجابة من الحكومة، وآليات رقابية على الأرض. نموذج عملي لكيف يمكن أن تتحوّل الرؤية إلى نتائج ملموسة.