نحن غير جادّين في تنفيذ التحديث الاقتصادي، وهذا أمر بات واضحًا للعيان. ففي كثير من الأحيان، ينشغل صاحب القرار بمنصبه أكثر من انشغاله بتحسين أوضاع البلد، فتتقدّم المصالح الشخصية بينما يتراجع همّ الوطن.
إنّ الولاء الحقيقي والانتماء الصادق يفرضان على الإنسان أن يخاف على المال العام كما يخاف على ماله الخاص، وأن يتعامل مع المؤسسة التي يعمل فيها وكأنها ملكه، لا مالًا عامًا بلا صاحب، وأن يتحمّل مسؤوليتها كما يتحمّل مسؤولية بيته وماله.
فالولاء والانتماء لا يُقاسان بالكلام ولا بالهتاف، بل بالفعل. يُقاسان بمدى حرصنا على مقدّرات الدولة، وبقدرتنا على القول إن هذا المال مالنا جميعًا، وإنّ هدره خيانة صامتة لا تقلّ خطرًا عن الفساد المعلن. فالدولة لا تُبنى بالشعارات، بل بسلوك موظف أمين، ومسؤول يدرك أنّ الموقع الذي يشغله أمانة لا مكسبًا.
وإذا أردنا تحديثًا اقتصاديًا حقيقيًا، فعلينا أن نبدأ بتحديث طريقة التفكير؛ بأن نعيد تعريف المنصب كمسؤولية، والمؤسسة كأمانة، والمال العام كحقٍّ مقدّس. عندها فقط يمكن أن نتحدّث عن إصلاح حقيقي، لا يُكتب على الورق، بل يُلمس في الواقع.