في تحول جيوسياسي لافت في منطقة القرن الأفريقي، بات إقليم "أرض الصومال" "صومالي لاند" نقطة ارتكاز لتجاذبات دولية معقدة، تجمع بين المصالح الأمنية للاحتلال والحسابات الإستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية، وبينما خطت إسرائيل خطوة متقدمة بالاعتراف بالإقليم، لا تزال واشنطن تدرس خياراتها بين دعوات المشرعين لتوثيق العلاقات وبين حذر الإدارة التنفيذية.
يعد اعتراف الاحتلال رسميا بـ "أرض الصومال" كدولة مستقلة ، تطورا نوعيا في عقيدتها الأمنية تجاه القارة السمراء، ويرتكز هذا الاهتمام على عدة ركائز:
أمن الملاحة في البحر الأحمر: تقع أرض الصومال على الضفة الجنوبية لخليج عدن، المتحكم في مضيق باب المندب، وبالنسبة للاحتلال، يعد هذا الممر شريان حياة لتجارتها وصادراتها، ووجود حليف في هذه النقطة يعزز من قدرتها على مراقبة التهديدات البحرية، خاصة في ظل التوترات الإقليمية.
توسيع دائرة التحالفات: تسعى تل أبيب إلى كسر العزلة في محيطها الإقليمي عبر بناء تحالفات مع دول "الأطراف" أو الكيانات الصاعدة، وقد جاء الاعتراف ليؤكد هذا التوجه، وسط إدانات عربية وأفريقية اعتبرته خرقا للقانون الدولي.
ثانيا: الأهمية الإستراتيجية للولايات المتحدة.. بديل عن "جيبوتي" وحصن ضد الصين، وتنظر دوائر صنع القرار في واشنطن، وتحديدا في الكونغرس والبنتاغون، إلى أرض الصومال بوصفها "شريكا محوريا" في الأمن والدبلوماسية ، وذلك للأسباب التالية:
مواجهة النفوذ الصيني: يعد الإقليم "خط دفاع أول" في مواجهة التمدد الصيني في القرن الأفريقي، وقد أثبتت هرجيسا ولاءها للمعسكر الغربي من خلال استضافة مكتب تمثيلي لتايوان، رغم الضغوط الصينية الهائلة.
البديل العسكري الآمن: يولي الجيش الأميركي اهتماما خاصا بميناء "بربرة" المطل على خليج عدن، ويأتي هذا الاهتمام في ظل بحث البنتاغون عن بدائل لقاعدة "كامب ليمونييه" في جيبوتي، التي باتت محاصرة بالنفوذ الصيني بسبب وجود منشأة عسكرية لبكين بالقرب منها.
مكافحة الإرهاب: تبدي أرض الصومال التزاما بتعزيز التعاون العسكري مع واشنطن في مجال مكافحة الإرهاب ، وهو ما يمثل ركيزة أساسية للأمن الأميركي في منطقة تعصف بها النزاعات.
ثالثا: بين الدفع التشريعي والحذر الرئاسي
رغم توافق المصالح، تشهد واشنطن انقساما حول آلية التعامل مع هذا الملف: موقف الكونغرس: يقود السيناتور الجمهوري "تيد كروز" حملة للاعتراف باستقلال الإقليم، معتبرا ذلك ضرورة لتحقيق أقصى فائدة للمصالح الأميركية. ويرى "كروز" أن الحكومة الصومالية في مقديشو لعبت دورا سلبيا في تقويض الدعم لتايوان استجابة للضغط الصيني.
موقف الرئيس ترمب: رغم العروض المغرية التي قدمتها أرض الصومال، بما في ذلك استضافة قاعدة بحرية ومنح حقوق لاستخراج المعادن ، إلا أن ترمب رفض الاعتراف بالاستقلال حاليا، متسائلا عن مدى معرفة العالم بهذا الاحتلال، ومع ذلك، لم يغلق الباب تماما أمام "المصالح"، مشيرا إلى أن عرض القاعدة العسكرية "قيد الدراسة".
يبدو أن "أرض الصومال" نجحت في تحويل موقعها الجغرافي واستقرارها النسبي منذ عام 1991 إلى "عملة صعبة" في سوق التنافس الدولي.
وفي حين حسم الاحتلال أمره بالاعتراف لخدمة أجندته الأمنية، تتبنى واشنطن نهجا "براغماتيا" يسعى لالتقاط الثمار الأمنية والعسكرية "قاعدة بربرة" دون التورط في اعتراف سياسي كامل قد يثير حفيظة الاتحاد الأفريقي ويهدد وحدة الصومال التي لا تزال معترفا بها دوليا.