على مدى أكثر من ثلاثة عقود، قدّم الإعلامي الأردني بسام الرقاد نموذجًا مختلفًا في العمل الإعلامي، نموذجًا يقوم على التراكم المهني، والالتزام المؤسسي، والحس الإنساني العالي، بعيدًا عن الاستعراض والضجيج. لم يكن حضوره وليد الصدفة، بل نتيجة مسيرة طويلة بدأت من خلف الكاميرا، وتدرّجت بثبات حتى أصبح واحدًا من الأسماء المألوفة والموثوقة لدى المشاهد والمستمع الأردني.
يحمل بسام الرقاد درجة البكالوريوس في القانون، وهو ما أضفى على أدائه الإعلامي وعيًا قانونيًا ومعرفيًا انعكس على طريقة طرحه للقضايا العامة وتعاطيه مع الشأن العام، خصوصًا في البرامج الحوارية والخدماتية. وعلى الصعيد الشخصي، هو متزوج وأب لولد وثلاث بنات، وقد ظلّ يوازن بين حياته الأسرية ومسيرته المهنية الطويلة، محافظًا على صورة الإعلامي القريب من المجتمع والأسرة الأردنية.
بدأ الرقاد مسيرته في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية عام 1987، بوظيفة مساعد مخرج أخبار، في مرحلة كانت فيها غرفة الأخبار مدرسة حقيقية لتعلّم الانضباط والدقة والعمل تحت الضغط. لم يلبث أن انتقل إلى موقع مخرج أخبار للنشرات الإخبارية الرئيسية، حيث شارك في إخراج أهم النشرات والمواد الإخبارية، مكتسبًا خبرة تقنية ومهنية عالية في إدارة البث الإخباري.
وفي محطة بالغة الأهمية في مسيرته، تم اعتماده مخرجًا للنشاطات الرسمية لجلالة الملك الراحل الحسين بن طلال، ثم واصل هذا الدور مع جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وهو تكليف يعكس مستوى الثقة المهنية العالية، ويتطلب دقة استثنائية، وحسًا وطنيًا، وقدرة على العمل في ظروف حساسة ومعقدة.
ورغم انطلاقته من خلف الكاميرا، لم يتأخر حضوره أمامها، إذ كان أول ظهور تلفزيوني له مع الزميلة رندا كرادشة في برنامج مسابقات، شكّل بوابة انتقاله التدريجي إلى التقديم التلفزيوني. ومع مرور الوقت، أثبت حضوره الهادئ وقدرته على التواصل المباشر مع الجمهور، دون افتعال أو تصنّع.
ويُسجَّل له أنه كان أول مخرج لبرنامج "يوم جديد"، أحد أبرز البرامج الصباحية في التلفزيون الأردني، قبل أن يتحول لاحقًا إلى تقديمه لسنوات طويلة، جامعًا بين خبرة الإخراج وفن التقديم، وهو أمر نادر أسهم في تميّز البرنامج واستمراريته.
قدّم بسام الرقاد وأخرج عددًا كبيرًا من البرامج المهمة في التلفزيون الأردني، كما قدّم برنامج المسابقات "بوابة الربح"، وبرنامج "يحدث اليوم" على مدار سنوات، حيث برز بأسلوب متزن، يعتمد على الحوار الهادئ والتحليل المسؤول. غير أن حضوره الأبرز لدى الجمهور ارتبط بالبرامج الخدماتية، وفي مقدمتها "وصل صوتك"، الذي قدّمه لعدة سنوات على قناة نورمينا، مجسّدًا دور الإعلام بوصفه حلقة وصل حقيقية بين المواطن والجهات المعنية.
لم تقتصر تجربته على الشاشة التلفزيونية، بل امتدت إلى الإذاعة، حيث قدّم برنامجًا سياحيًا على إذاعة سياحة FM، وبرنامج "هنا الأردن” على إذاعة جيش FM، مؤكدًا قدرته على التأقلم مع مختلف المنصات الإعلامية، والحفاظ على ذات الروح المهنية أينما حلّ.
وإلى جانب عمله الإعلامي، شغل بسام الرقاد مواقع استشارية مهمة، إذ عمل مستشارًا في مديرية الأمن العام لعدة سنوات، ثم مستشارًا في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، وهي أدوار تعكس الثقة بخبرته الإعلامية وفهمه لطبيعة الاتصال المؤسسي والإعلام الأمني، وما يتطلبه من مسؤولية عالية ودقة في الرسالة.
ومع التحولات التي شهدها الإعلام، لم يتوقف الرقاد عند تجربة واحدة أو منصة واحدة، بل واصل حضوره الإعلامي المتجدد، ويقدّم حاليًا برنامجًا خدماتيًا على قناة الأنباط، إلى جانب امتلاكه موقع "القرار الإخباري”، وتقديم برامج خدماتية عبر منصة القرار الإخباري على فيسبوك، في تأكيد واضح على قدرته على مواكبة الإعلام الرقمي دون التفريط بجوهر الرسالة.
ما يميّز تجربة بسام الرقاد أنه لم يتعامل مع الإعلام بوصفه مهنة عابرة، بل رسالة مستمرة، ظلّ خلالها منحازًا للناس، قريبًا من همومهم، محافظًا على لغة هادئة، وخطاب متزن، وحضور إنساني صادق. وبعد أكثر من واحد وثلاثين عامًا من العمل الإعلامي المتواصل، لا يزال، كما يصف نفسه، "ينبض بالعطاء الإعلامي الجاد”، مؤمنًا بأن قيمة الإعلام لا تُقاس بعدد السنوات، بل بصدق التأثير واستمرارية العطاء.
بسام الرقاد هو واحد من أولئك الذين صنعوا حضورهم بهدوء، وتركوا أثرهم دون ضجيج، وسيبقى نموذجًا يُستشهد به حين يُذكر الإعلام الأردني الذي نشأ من قلب المؤسسات، وانحاز للناس، واستمر وفيًا لرسالته مهما تغيّرت الوسائل وتبدّلت الشاشات